mardi 16 juillet 2013

تعليق حول إنشغالات المادية والمعنوية للقاضي

العلم عدد 21970 الاربعاء 6شوال 1431الموافق 15شتنبر 2010
تعليق حول إنشغالات المادية والمعنوية للقاضي

جدبني إلى هذا الموضوع ، حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (( لايقضي القاضي وهو غضبان ولاجوعان ...)) فالقاضي تتنازعه ضرورتان ،الأولى تتعلق بالرقابة البيولوجية لحالته النفسية ،والثانية بالرقابة المادية لحالته الجسدية ووضعيته المعيشية ،وعدم جلوسه للقضاء وهو جوعان ،لايعني جوع البطن فقط ، بل إنه قد يجلس للقضاء وهو صائم ،فمعنى الجوع هنا اعم واشمل ويدخل فيه جوع الفؤاد واتباع هوى النفس ((قال عز وجل في كتابه الحكيم سورة ص الآية 26 ((...يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب )) صدق الله العظيم ،وذلك لمنزلة يريد بلوغها ولدنيا يسعى للحصول عليها .
كما ان هذه الرقابة البيولوجية للقاضي أثيرت مؤخرا من طرف المحكمة الأوروبية حين بتها في إحدى الطعون المقدمة ضد قرارات محكمة النقض الفرنسية في قضية جنائية استمر الاستنطاق فيها والاستماع للمتهم والشهود الى ساعة متأخرة من الليل ،حيث اعطيت الكلمة لدفاع المتهم للمرافعة إلا ان هذا الاخير التمس تأخير الملف لجلسة أخرى لكون التعب بلغ مبلغه بالنسبة لكافة الأطراف (الهيئة الحاكمة وهيئة الدفاع ) إلا ان المحكمة رفضت ملتمس الدفاع الرامي إلى التأخير وبتت في القضية ،وأثيرت هذه النقطة أمام محكمة النقض الفرنسية باعتبار ان القاضي لم يكن في حالة بيولوجية عادية لاستمراره في مناقشة القضية ، وهو ما ينطبق ايضا على الدفاع والمتهم وتم رفض الطعن من قبل محكمة النقض ،إلا ان المحكمة الاوروبية ألغت الحكم وقضت ببطلان القرار استجابة لما أثاره دفاع المتهم من كون القاضي لم يكن في ظروف عادية تسمح له بمتابعة مناقشة القضية .
إذن إن الحالة النفسية والمادية لأي قاضي يبت في النزاعات المعروضة عليه يكون لها تأثير قوي في توجيه الفصل في القضية ،وبالتالي لابد ان تتوفر لكل قضية بين يدي القضاء الظروف الملائمة للبت فيها ،وإلا ستكون جودة الخدمات التي ينتجها مرفق القضاء رديئة وتنعكس على حياة المتاقضين ، وبالتالي تمتد إلى المجتمع وهذين العاملين المتحكمين في العدالة هما بين يدي مؤسسة دستورية ،ونعني بذلك المجلس الاعلى للقضاء ،إذ بمجرد وصول مشارف شهري نوفمبر وماي من كل سنة إلا تتجه افئدة القضاة لتتبع جلسات هذه المؤسسة بل اكثر من ذلك تتبع حركات اعضائها ونبرات الفاظهم التي تروج داخل تلك المؤسسة ،سواء كانت للدفاع عن قاضي او لإدانته .
وهكذا تحدث حالة نفسية لدى المتتبعين ملئها اما الحمد والشكر لله او الخوف عن المصير والاحباط ،ولم يسبق ان اجريت او نشرت احصائيات على مستوى البت في القضايا المعروضة على المحاكم في الفترات التي يعلن فيها انعقاد المجلس الاعلى للقضاء ((مع الاشارة إلى كون هذه الاحصائيات تبقى دائما سرية ،ولا تنشر حتى يتمكن الباحثون والمهتمون من دراستها )).
ويصاب القاضي في الفترة الممتدة بين انعقاد المجلس وانهاء اشغاله ، وخروج النتائج بحالة انشغال وشرود لكون مصلحة من مصالحه سيبت فيها المجلس الاعلى للقضاء ، مما يؤثر على تركيزه واهتمامه بالقضايا التي بين يديه ،وقد يؤدي الأمر لنتائج وخيمة تؤثر على اصحاب القضايا التي بين يديه ،والذين ينتظرون احكام وقرارات مقنعة وقانونية ، وبعملية حسابية بسيطة يمكن اجراؤها ،فإذا كان معدل ما ينتجه كل قاضي من احكام او قرارات في السنة هو 1500قضية فإن إنشغاله بما يروج في المجلس الاعلى للقضاء قد يخفض من انتاجيته،  هذا بالنسبة للكم ،اما بالنسبة للكيف فلا يمكن تحديد (( نسبة الاخطاء)).
واهتمام القاضي بما يتعلق بانشغالاته النفسية والمعيشية ،هي مسألة عادية ولايمكن ان ترتب أية تبعات واعتباره عضوا في الكتلة الناخبة لأعضاء المجلس الاعلى للقضاء غير الدائمين فإنه يمارس رقابته وتتبعه لأشغال من انتخبهم ،خاصة فيما يتعلق بالاستجابة لطلبات الترقية وتقلد المسؤولية ،والانتقال إلى مكان افضل ،و العضو المنتخب يجد نفسه مضطرا لتلبية رغبات الفاعلين فقط (في العملية الانتخابية ) من القضاة الذين انتخبوا عليه ،وهكذا تحاكي مؤسسة المجلس باقي مثيلاتها من المؤسسات المنتخبة بتلبية اغلبيةرغبات منتخبيها ، الا ان هذه الوضعية والتي لها تأثيرات سلبية على القضاء ومكانته في النفوس لابد من الحد منها ،بايجاد حلول تكون حاجزا امام بعض الانانيات وكذا الحد من(( الانفلاتات))
التي ماهي إلا تعبير عن عدم الرضى عن اشغال المجلس ،ولايمكن ان يعاملوا بطريقة التنقية وتفضيل بعضهم على بعض إلا بالاقدمية ........
وهنا بعض الاقتراحات يمكن تعدادها كحلول لهذه الاشكاليات :
1ـ لايمكن ان يعين القضاة الجدد بالمحاكم إلا بناء على نسبة درجة استحقاق كل واحد منهم في نهاية التمرين بالمعهد العالي للقضاء ،وباختيار كل قاض وبرضاه عن المكان الذي يريد العمل به .
2ـ لايمكن ترقية القاضي إلى درجة أعلى إلا بمعيار واحد هو الاقدمية فقط ،وهو معيار موضوعي يجعل التراتبية هي الاساس .
3ـ تبسيط مسطرة الانتقالات وجعلها بيد أمين سر كتابة المجلس الاعلى للقضاء مباشرة ،يبت فيها في فترة تمتد طول السنة ،بناء على رغبة القاضي ،ودون شكليات ادارية او احالة الطلب على المجلس ،شان طلبات تثبيت صفة قاضي في نشر مقالات قانونية ،مع اعتبار الخريطة القضائية وتوزيع القضاة بمحاكم المملكة دون اي عنصر آخر .
4ـ اسناد المسؤوليات على اساس ومعيار واحد هو الاقدمية فقط دون  أي اعتبار آخر ،مع تجديد المسؤولين قبيل كل استحقاقات انتخابية عامة في البلاد ،ويتم هذا التجديد مرة واحدة حنى تترك الفرصة لقضاة آخرين لتولي المسؤولية .
5ـ إعفاء من المسؤولية كل من بلغ سن التقاعد ،وفسح المجال للشباب الذين يليهم في الاقدمية ((كلما تعلق الامر بمحاكم الموضوع )).
6ـ اجراء مسطرة الصلح مع القضاة المنسوبة اليهم افعال مخلة بالمهنة حسب درجة كل واحدة ،حفاظا على سمعة القضاء ووضع القاضي امام مسؤوليته بإختيار التدبير المناسب حسب درجة الفعل المنسوب والتابت في حقه (( هذا طبعا بعد اعطاءالفرصة للمعني بالامر ان يدافع عن نفسه فيما نسب إليه )).
لابد ان هذه الاقتراحات المتواضعة ستحل اشكالية كبرى لعدد كبير من اسر القضاة وستعيد الامور إلى نصابها ،ويزرول الاحراج على اعضاء المجلس الاعلى للقضاء ،وسيقل الاهتمام بأشغال هذه المؤسسة من طرف القضاة ، لكون المعيار الموضوعي (( الاقدمية ،والتراتبية )) يطمئن كل قاضي ، وتزول الاعتبارات الاخرى غير الموضوعية ، والتي تمس حقوق القضاة ،فلا يمكن القفز على مكتسبات الاقدمية ،واسناد الترقية والمسؤولية والانتقال لمن قضوا فترة اقل من زملائهم القدامى والله ولي التوفيق .

من إنجاز محمد عنبر باحث 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire