samedi 25 août 2012

صلاحيات اعضاء المجلس الأعلى للقضاء في إجراء متابعة تأديبية ضد بعضهم


كثيرا ما يظن ان استقلال القضاء ( بل يتم ترويج ذلك حتى لايتبوء القضاء مكانته العليا في الدولة ) ،يعني ان القضاة لهم الصلاحية في فعل كل شيء بدون مسائلة من اي كان ،وهذا هراء ُقصد منه المس بأحقية المواطن المغربي في أن يكون له قضاء مستقل ، حقا فإن القضاة  عند اصدار احكامهم او قراراتهم ،فهي التي تجيب عن مواقفهم، وهي عنوان ما تلجلج في صدورهم ، و تسجيدا لما خامر ضمائرهم ، وإلا لما كان الحديث الشريف للرسول صلى الله عليه وسلم، الذي يتكلم عن القاضي الذي يجتهد ويخطأ، فله أجر ،وإن إجتهد واصاب فله أجرين ،فخطأ القاضي لايوجب المسؤولية إلا إذا كان متعمدا ، إذن هناك ثلاثة اصناف القضاة حسب الحديث الشريف لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قاضيان في النار ،وقاضي في الجنة ، اولهما قاضي لم يعرف الحق وحكم عن جهل ،وقاضي عرف الحق ولم يحكم به ،وقاضي عرف الحق وحكم به ، فهؤلاء القضاة تربطهم مسألة واحدة هي معرفة الحق ،صنف لم يعرفه واتخذ موقفا منحازا لأحد الاطراف ، وصنف عرفه واتخذ موقفا من عدالة الدنيا(إما ايجابا او سلبا) ،فالمعرفة هنا ترتبط بالفؤاد (القلب ،والعقل ) وهما اللذان يشكلان ضمير القاضي ،فإن صلح القلب وغلب عن الهوى صلح حال كل اعضاءه ، ومادام انه يصعب مسائلة القاضي عن حكم اخطأفيه، لأن المفروض فيه الإجتهاد والصدق في أداء رسالته الفاضلة[1] ،فلايمكنه ان يتعرض بعد حين للجزاء أوالإنتقام ،لأن نصف الناس أعداء للقاضي هذا  إن عدل ، والكيد يأتى من اصحاب الهوى الذين يسعون لتحقيق مصالحهم الدنيوية[2] كيفما كان نوعها ،لذا سعت الشرائع  سواء السماوية أوالدنيوية لإحاطة هذه الفئة من الناس ،الذين تحملوا عبئ الفصل بين الخصوم، بعناية خاصة دفعا لهم او لذويهم من كل سوء قد يتعرضون له سواء مباشرة من الأفراد او من الهيآت ، والوقاية من اساءة الأفراد تكفلت بها نصوص زجرية ،لكن الوقاية من كيد الهيآت تبقى صعبة المنال ، لكونها تنشأ سرية وخفية ولاتظهر مصادرها وإنما فقط نتائجها، بتعكير صفوة الحياة على القاضي  ، لذا أنشأت مؤسسات تسعى إلى ضمان وحصانة القضاة من ردة فعل الخصوم ،وحسن فعل الدستور المغربي لفاتح يوليوز 2011 حين اعطى للقضاة في الفصل 114 من الدستور الحق في الطعن في قرارات المتعلقة بوضعيتهم الفردية الصادرة عن المجلس الاعلى للسلطة القضائية ،وكذا حق طلب التعويض من الاخطاء القضائية الفصل 122من الدستور ، وكذلك لزجر القضاة الجائرين ، فالفقيه الونشريسي في تطرقه لجور القاضي ، قال :)((إذا ثبت جور القاضي سجن أبدا وجلد بين الفينة والأخرى ..)) وبالمقابل اجاب عما سئل عنه حول إمكانية التجسس على الرجل الصالح ، فاجاب ان كان القصد منه القدوة في الصلاة والاحسان والخلق السليم فهو جائز، وان كان القصد تتبع العورة والعيوب والترصد والكيد فهو من باب التجسس المنهي عنه (ولاتتجسسوا ولايغتب بعضكم بعضا ...).لهذا فإن سلطة القضاء هي الوحيدة التي لايمكن مراقبتها بواسطة سلطة أخرى كما هو الشأن بالنسبة لمراقبة السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية ،ومراقبة السلطة القضائية لصحة إنتخاب اعضاء السلطة التشريعية ورقابة المحكمة الدستورية لأعمال التشريع الصادرة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية كلاهما يخضعان لمراقبة ضميرالأمة الذي هو القضاء ،وهذا لايعني ان السلطة القضائية تبقى بمنأى عن ايه رقابة ،فالآليات الدستورية والقانونية الموضوعة هي التي تكفل هذه المراقبة المتدرجة عن طريق الطعون  العادية والاسثتنائية ،ولاغيرها .
ونظرا لأهميةهذا الموضوع ،يمكن تقسيمه الى فرعين :
نتطرق في اوله : لكيفية رفع الخصومة الى القاضي .
                وثانيا : لعملية التذخل لدى القاضي والكيد له .

أولا : كيف ترفع الدعاوى الى القاضي
قال النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه (( أن اقوام أهلكوا لأنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإن سرق فيه الضعيف أقاموا عليه الحد ،والله إن فاطمة بنت محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم سرقت لقطعة يدها ،عدل الانبياء هو اعلى واعظم من عدل باقي البشر ،فالمسلم من واجبه ان يتحرى العدل في كل شيء (كل حركة وسكينة ) ،ويجب عليه ان يعدل حتى في عرض شكواه ومظلمته على اولي الأمر ،وبطبيعة الحال فالتشكي او إقامة الدعوى تكون إما مباشرة من المشتكي (شفويا او كتابيا ) ،والدعوى العمومية التي تقيمها النيابة العامة يجب ان تقدمها الى القاضي الطبيعي لها المعين للبت فيها ،لاأن يعين القاضي لدى القضية،لما في ذلك من انحياز لجهة معينة ومس بحقوق المحكومين .
 والتأثير أو التذخل لدى اولي الأمر من طرف الأطراف مباشرة ،يصنف بطبيعة الحال في باب التشكي ورفع المظالم الى الحكام ،ويكون مشروعا ولايمكن أن يحجبه اي حاجز ،وانما يجب على الطرف ان يكون عادلا في عرضه لمظلمته ،والأفضل ان تكون علنية وبحضور خصمه ،إن أمكن ذلك ،وإلا فعليه تحري العدل في كل مايعرضه ،ولايبخس أشياء الناس ،واموالهم واعراضهم .
إلا ان المسألة تدق عندما تتدخل اطراف أجنبية عن عملية الخصومة (اقصد بذلك الوسطاء الغير المشروعين ،ممن يتجار بمشاكل الناس ) إذ اصبح اليوم يدلى للمنتصبين للقضاء، باشخاص يطرقون عليهم ابواب منازلهم قصد عرض شكاويهم التي هي معروضة اصلا عليهم بواسطة مقالات او طعون ،ويريدون استغلال سرية هذا العرض لفائدتهم ، بل إن هناك من يقف بباب مقرات عملهم للقيام بعملية الوساطة أو التذخل ،وتتدرج هذه الآفة الي غاية الوصول إلى مستويات عليا من  الهرم وكل له درجته ،فهناك من يكلف عونا وهناك من يكلف سندا أعلى وهكذا...؟ [3].
وهذا ينم على عنصر الثقة في القضاء التي اصبحت منعدمة ،فاصبح اللجوء الى تدخل اطراف اجنبية عن النزاع (بدون صفة قانونية ) امرا ضروريا ،للوصول إلى الحق ،والسعي دائما لتذكير القاضي بدوره ومظلمة الخصم  ،فمنهم من يتوجه الى القاضي بعبارات التحذير ( اليوم انا بين يديك وغذا انا فوق كتفيك )يا لها من مسؤولية جسيمة تجعل القاضي يقدر جسامة الامانة الملقاة على عاتقه ،ويردد قول ،((وددت لو لم اقضي في شقة ثمرة ))او وددت لو أني لم أكن قاضيا ، مع ان البت في حقوق العباد يشمل كل صغيرة وكبيرة في حياتهم ويستوعب كل شيء وكل لحظة يجب ان يستحضر فيها الانسان معنى العدل ،ومعنى قوله تعالى (( واعدلوا هو اقرب للتقوى ...))هكذا يتدرج التدخل في القضاء والتأثير على قراراته ،فهناك من ينظر اليك نظرة شزراء كأنه يشعرك بأنه قد علم بموقفك ضده في المداولة مع ان القاضي قبل ممارسته لمهامه يؤدي اليمين على ان يحافظ على سريةالمداولة  ...مما قد يعرضه للخطر إذا علم احد الاطراف بموقفه قبل صدور القرار ..فلماذا يتم تسريب سرية المداولة قبل النطق بالقرار ؟
وهناك من يتدخل بصورة أخرى من موقع منصبه ليقول للقضاة إن هذا الملف(( متبوع ))يعني مراقب أو أنه يتعلق بجهة معينة ،ويتعين إتخاذ الحذر .... الايعلم بأن كل صغيرة وكبيرة هي محصاة عليه من ملائكة الجبار إذ يقول الكافرون ((...ياوليتنا ما لهذا الكتاب لايغادر صغيرة ولاكبيرة إلا وأحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولايظلم ربك أحدا ...))بل إن هذا التدخل في عمل القضاة والتأثير عليهم اصبح يعرف تقنيات متطورة ،من تعيين الملف لدى قاضي او غرفة معينة، أو أنه يتم اتخاذ هذا الاجراء أولا حسب طبيعة كل قاضي ومهنيته .....ومدى استجابته للتدخلات ورفضه لها ((ومن هو النزيه الجبان ....والنزيه الشجاع ...))ومن هو لاشيء من هذا وذاك ،ويتعين اعادة تكوينه بتلقينه أصول مهنته وحقوقه وواجباته إزاء زملاءه وإزاء رؤسائه وإزاء المحامين وإزاء الأطراف ،كل موقف تتخذه داخل هذه المؤسسة يقابله موقف آخر يوازيه إما الشكر والإغراءات الامتناهية ،واما الجزاء ومكر الليل وكل حسب طبيعة موقفه .
بل هناك من ينصحك سرا بعدم العمل معه والانتقال الى جهة أخرى، وكانك مجرد أجير لديه في ملكيته الخاصة ،اذا لم يعجبك أسلوبه في العمل فانتقل الى العمل في ملكية خاصة أخرى ،مع ان الشعار الذي اطلق حديثا ان  الجميع في خدمة المواطن ،واولا وقبل كل شيء في خدمة العدالة التي لاوطن لها .
وحينها تبدا مرحلة الكيد والتي هي نتيجة موقف القضائي من نزاعات الخصوم ، و الهيئة المكلفة بالعناية بالقضاة ومسائلتهم نظمها الدستور المغربي القديم  في فصله 84 في الباب السابع ونص (( يرأس الملك المجلس الأعلى للقضاء ويتألف هذا المجلس بالإضافة إلى رئيسه من :
ـ وزير العدل نائبا للرئيس
ـ الرئيس الأول للمجلس الأعلى
ـ الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى
ـ  رئيس الغرفة الولى في المجلس الأعلى
ـ ممثلين إثنين لقضاة محاكم الاستئناف ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم  على كيفية تشكيلها من
ـ اربعة ممثلين لقضاة محاكم أول درجة ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم .الأعضاء الدائمين والاعضاء المنتخبين وذلك كما يلي : (( ...
والساحة القضائية بالمغرب لم تراكم قرارات صادرة من اعضاء المجلس الأعلى للقضاء، ضد عضومنهم بمناسبة ممارسته لمهمته كممثل للقضاة ،باستثناء المنع الشفوي لأحد الرؤساء الأولين لأحد اعضاء هيئة المجلس الأعلى من حضور اشغال الدورة ، وهذه الواقعة لم يكتب لها ان تعرف طعنا انذاك امام المحاكم الادارية التي كانت قد أنشات حديثا ،مما جعلها تذخل في خانة النسيان ، ولم تتخذ كعبرة ، وكذا قرار توقيف عضو واحالته على المجلس كهيئة تاذيبية إنتهت بالتراجع عنه .
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل نيابة وزير العدل على الملك تشمل تسيير اشغال المجلس الأعلى للقضاء، وله نفس الحقوق التي هي لباقي الأعضاء، ام انه يمكن أن ينصب نفسه رئيسا(خصما وحكما) على جميع الأعضاء وان يقترح مثلا اجراءا تأديبيا في حق أحدهم لإخلاله ليس بعمله كقاضي ،وإنما كممثل لفئة القضاة الذين كلفوه بهذه الوكالة ؟.
الواقع أنه كما لايستساغ ان يجتمع مجلس إداري لأحد الشركات ،ويدرس في جدول اعماله مسألة فصل أحد الشركاء من الشركة ، فإنه لايستساغ قانونا ان يحصل إجماع بين أعضاء المجلس الأعلى لتقريرالأمر بإجراء بحث في وقائع منسوبة لأحد الأعضاء بصفته تلك، وبالأحرى  متابعته تأدبيا ، فالمؤسسة الدستورية أنشات للنظر في المخالفات المرتكبة من القضاة بمناسبة اعمالهم (رسالة القضاء)، والتي من شانها ان تكون محل عقوبة  حين مزاولة رسالتهم ،وليس لمسائلة اعضاء مؤسسة المجلس الأعلى بمناسبة عملهم التمثيلي ،النصوص التنظيمية لاتجيب صراحة عن هذه الصلاحية، وإنما يمكن ان تستشف المساواة بين أعضاء المجلس من الفصل ((الذي منع إدراج ملف القاضي العضو طيلة مدة نيابته سواء ايجابا أم سلبا )) فهو وكيل لايمثل إرادته بل إرادة من كلفوه، شأنه شأن كافة اعضاء المؤسسة الدستورية  ، ولايمكن ان يسأل العضو عن خطا إرتكبه إلا بعد إنتهاء مدة مهمته ،سواء تعلق الفعل بصميم مهامه بالمؤسسة الدستورية أم برسالته كقاضي ،ويمكن ان نقيس على هذا باقي المؤسسات النيابية ،  هذا كله لحماية العضو من كيد الخصوم بكافة مشاربهم ،والا فإن مهمته ستكون عبثا ،ويبقى سيف المسائلة مسلط عليه كلما ابدى وجهة نظر مخالفة، وضد ماتريد باقي السلط تحقيقه ، فكما لايمكن جدلا لأعضاء المجلس الدائمين والمنتخبين أن يحصلوا فيما بينهم على إجماع لإتخاذ قرار ضد الوزير ،فلا يسوغ لهذا الأخير وباقي الأعضاء أن يجمعوا على اتخاذ قرار ضد أي عضو ، وقد يتسائل البعض عن ماهي الأسس القانونية لهذا المنع  ؟
أول المبادئ هو فصل الجهة التي تامر بإجراء البحث والمتابعة ،عن الجهة التي ستنظر في القضية المحال  ، فسلطة الاتهام المعطاة للنيابة العامة ورئيسها بالطبع وزير العدل تمارس فيما هو منصوص عليه قانونا بالنسبة (مثلا الافعال المخلة المرتكبة من القضاة ) فالقانون اعطى للوزير صلاحية الأمر بإجراء بحث فيها والأمر بإحالة مرتكبيها على هيئة المجلس الأعلى، الذي له صلاحية الإقتراح على الملك العقوبة المناسبة ، والقانون لم يعطي سلطة البحث والاتهام التلقائية لوزير العدل للنظر فيما يعتبر مخالفة من عضو بالمجلس ، إلا إذا صدر امر من الملك بذلك ، لأنه هو الرئيس للمؤسسة الدستورية للمجلس الأعلى ، وذلك لضمان استقلالية العضو ،وكذا حياد الوزير وانسياقه مع اهواء الحكومة التابع لوزيرها الأول والتي هي حكومة حزب الأغلبية .
لايمكن القول بان إجراء البحث كان موجها لأشخاص لاتربطهم بالمجلس اية علاقة ،بل إن مجرد التفكير في الاستماع اليهم يرمي إلى مسائلة عضو من اعضاء المجلس لكون الفعل المنسوب يتعلق بصميم اعمال المجلس مما يؤكد طبيعة الاجراء المتخدة انه يستهدف عضو من الاعضاء بعينه .
فما هي حجية تصريحات فرد لايمت بالقضاء بصلة بواقائع منسوبة لقاضي ؟ فهل الافعال التي تنسب للقاضي وتتعلق بصميم مهنته التمثيلية هي افعال تخضع في إثباتها على تصريحات أم أنه يجب إثباتها بواسائل لاتترك مجال للطعن فيها ومناقشتها ؟ تسجيلات بالصورة والصوت وثائق مكتوبة ؟
كل هذه التساؤلات تجعل مسائلة القاضي الذي كان يمثل كثلة القضاة تدخلت فيها الأهواء أكثر من تحقيق العدالة ،ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين .



[1] قال تعالى في كتابه العزيز سورة الأنبياء الاية 78 " ففهمنها سليمان وكلا أتينا حكما وعلما ...."
[2]  فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم خير البرية يتعرض لسوء القول من احد الخصوم حين قضى عليه السلام في قسمة الماء " إذ صرح المحكوم عليه إنك لاتريد بهذه القسمة وجه الله ...."
[3]  بعض القضاة الذين كانوا مشتكين بخصوص مسألة عائلية ،تم  ترهيبهم بكونهم يتدخلون لدى المعنيين بالبت في شكواهم لإتنائهم عن التشكي مرة أخرى .