samedi 28 avril 2012

صلاحية رئيس النيابة العامة في تعديل العمل القضائي لمرؤوسيه (مقالة منشورة بجريدة الاتحاد الاشتراكي بتاريخ 9نوفمبر 2003 عدد7369)


في خضم النقاشات التي تعرفها الساحة الحقوقية هذه الايام حول التنزيل الصحيح للدستور فاتح يوليوز 2011حتى لايلتف عليه مناهضوا الاصلاح خاصة في منظومة العدالة المغربية ،أثيرت عدة مناقشات من ضمنها استقلالية قضاء النيابة العامة عن وزير العدل والمفهوم الجديد لهذه العلاقة والواضح ان الدستور قد حسم في هذه النقطة عندما نص على إستقلال السلطة القضائية عن باقي السلط وبالتالي لايمكن للقضاة النيابة العامة ان يبقوا تابعين لسلطة أخرى غير السلطة التابعين لها يعني انهم لن يتبعوا للسلطة التنفيذية في شخص عضوها وزير العدل ،وان السياسة الجنائية للحكومة تنقل من طرفه، ضمن الشخصيات التي تختار من الملك كعضو في المجلس الاعلى للسلطة القضائية وان نادي قضاة المغرب الجمعية المهنية للقضاة جعلت من بين  اهدافها ونضالاتها إستقلال قضاة النيابة العامة إستقلالا تاما عن وزير العدل  ،وكذا استقلال قضاة النيابة العامة على رؤسائهم وحدود هذه الاستقلالية وهل تمتد كذلك للتعليمات الكتابية التي يتحمل فيها مصدرها المسؤولية وحده وبالتالي تناقش هنا مسألة تدخل الدولة لتحمل تبعة الاخطاء التي يرتكبها الساهرون على مرفق النيابة العامة ،لذا إرتأيت إعادة نشر هذا الموضوع على صحفي الالكترونية للإفادة والنقاش والله ولي التوفيق .
مقـدمة :
النيابة العامة (كانت تعتبر قبل دستور 2011طبعا ) ذلك الجزء من الجهاز القضائي الذي تشرف عليه السلطة التنفيذية (باعتبارالتصور القديم أن القضاء جهاز وليس سلطة مستقلة عن باقي السلطتين ) قصد تحقيق سياسة الحكومة على ارض الواقع ،سواء فيما يتعلق بالمسائل الداخلية أو علاقات االدولة بالخارج .
ويشرف وزير العدل على هذا الجهاز بإعتباره رئيسا ،إذ يوجه تعليماته إلى الوكيل العام للملك لدى المجلس الاعلى (محكمة النقض حاليا )والوكلاء العامين لدى مختلف المحاكم ( المحكمة العسكرية ومحكمة العدل الخاصة ـ هذه الاخيرة الغيت ـ) ومحاكم الاستئناف بالمملكة ،ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية ،وهذا التسلسل الذي ينبني عليه عمل النيابة العامة ،يقتضي بالضرورة الانسجام التام والانصياع لتعليمات الرؤساء حتى تكون هناك بالفعل وحدة النيابة العامة التي هدفها هو تحقيق العدالة والطمانينة والاستقرار داخل
 المجتمع .
والإختلاف داخل هذه الوحدة المتماسكة غير مستبعد ،بل هو حالة صحية تؤكد مصداقية العمل القضائي الذي ينشد الفضيلة .فإذا كان تصريح الحكومة مثلا اعطى الأولوية لتخليق الحياة العامة وتحسين أداء الادارة فوزير العدل يوجه تعليماته بقصد تفعيل المقتضيات التي تنظم الوظيفة العمومية ،وعلاقة جهاز النيابة العامة وموظفيه  بالمواطن ،وإذا كان يريد محاربة الأمية فيوجه تعليماته قصد تفعيل مقتضيات إجبارية التعليم ،وإذا كان يريد إعادة الهيبة للقضاء يعطي تعليماته بالسهر على إعطاء الأولوية لتنفيذ الاحكام ،وإذا كان يريد التخفيف من الاكتظاظات داخل السجون يوجه تعليماته بتفعيل العقوبات المالية بدل العقوبات السالبة للحرية وهكذا ...
والفئة من رجال ونساء قضاء النيابة العامة ،والذين يشكلون جزءا من السلك القضائي ،ويشملهم النظام الاساسي لرجال القضاء المنصوص عليه بالظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.74.467الصادر بتاريخ 26شوال 1394الموافق 11 /11/1974 هم المعنيون والساهرون على تنفيذ العمليات الصادرة إليهم من رؤسائهم.
أهمية الموضوع  :
لاتخفى اهمية الموضوع مما تثيره حاليا حول استقلال قضاة النيابة العامة (تنزيل دستور 2011) ،وهذه الاهمية التي يطرحها ليست عندما تلقى التعليمات المعطاة إلى المرؤوس الاستجابة ،وإنما في حالة رفض الانصياع لهذه التعليمات ،ولن نخوض هنا في مسألة شرعية الأوامر من عدمها والتي حسم فيها المجلس الاعلى في عدة قراراته (والفصل 110 من الدستور الحالي  في فقرته الثانية ) " يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون ،كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها ."
فما هو موقف رؤساء النيابة العامة من التعليمات التي يوجهونها إلى مرؤوسيهم في حالة مخالفتهم ،وهل لهم الحق في إلغاء تلك الاعمال القضائية [1] المخالفة واستبدالها بأخرى تطابق وجهة نظرهم ؟
وقبل التطرق للجواب عن هذا السؤال لابد من الاشارة إلى الخصائص التي يتميز بها قضاة النيابة العامة ،وتجعله مخالفا لقضاء الحكم .
خصائص النيابة العامة
فالنيابة العامة الأصل فيها أنها تمثل المجتمع وسابقا (قبل دستور فاتح يوليوز) كانت تمثل السلطة التنفيذية المجسمة في وزير العدل الذي سبق القول بانه يوجد على رأس هرمها ،ومن هنا جاء نظام تدرجها الرئاسي وعدم قابليتها للتجزئة ، واستقلالها عن القضاء ،وكذا عن الطرف الضحية ،كما انها كطرف رئيسي ولازم في الدعوى الجنائية لذا تتميز بعدم قابليتها لتجريح .
فبينما قضاة الاحكام لايمكن ان يتلقوا اوامر من اي شخص كان ،ولا يفصلون برايهم إلا طبقا لضميرهم ،فإن قضاة النيابة العامة على العكس يتلقون الأوامر من رؤساءهم ويكون عليهم طاعتها .
فوزير العدل له ان يوجه أوامره للوكيل العام للملك بالمجلس الاعلى حسب مقتضيات المادة 607من قانون المسطرة الجنائية القديم والمادة558من ق.م.ج.الجديد ((تنقسم طلبات النقض لفائدة القانون إلى طلبات يرفعها تلقائيا الوكيل العام للملك بالمجلس الاعلى وإلى طلبات ترفع بامر من وزير العدل ))
نذكر منها على سبيل المثال أمر وزير العدل إلى الوكيل العام للملك بالمجلس الاعلى بتقديم طلب الطعن في القرارات التي يتجاوز فيها القضاة سلطاتهم حسب نص الفصل 382 من قانون المسطرة المدنية الذي جاء فيه ((يمكن لوزير العدل ان يامر الوكيل العام للملك لدى المجلس الاعلى بان يحيل على هذا المجلس بقصد إلغاء الاحكام التي يتجاوز فيها القضاة سلطاتهم ....))
علما بان النص لايشير إلى ما إذا كان أمر وزير العدل يشمل أحكام قضاة المجلس الاعلى أو لا ،وما دام ان الطعن الذي يباشر أمام المجلس الاعلى يكون لفائدة الدعوى وليس لفائدة الاطراف ،إذ انه محكمة لمخاصمة الاحكام فلا معنى للقول بشمول أمر وزير العدل لأحكام قضاة المجلس الاعلى (( لكن حاليا بإخراج الدستور الجديد واعتبار القضاء سلطة يتعين اعادة النظر في هذا الامر وفسح المجال لهذا الطعن في قرارات محكمة النقض إلى جانب الطعن باعادة النظر يكون هنا طعن خاص يتعلق بتجاوز قضاة محكمة النقض لسلطاتهم )).
كما يوجه وزير العدل تعليماته للوكيل العام للملك قصد تقديم طلبات الاحالة من اجل التشكك المشروع وطلبات الاحالة من اجل المن العمومي طبقا للفصل 384و385 من قانون المسطرة الجنائية القديم والمادتين 270و272 من قانون المسطرة الجنائية الجديدة .ولايمكن ان يحصل اي اختلاف في تنفيذ تعليمات وزير العدل مادام ان مسالة قبول طلب الاحالة أو رفضه تبقى من صلاحيات الغرفة المختصة بالمجلس الاعلى ،ولايعرف في العمل القضائي حسب معلوماتي أن سبق للوكيل العام للملك بالمجلس الاعلى ان رفض الاستجابة لأوامر وزير العدل مادام انها في سيلق القانون المعمول به [2]
والوكيل العام للملك لدى المجلس الاعلى له سلطة على المحامين العامين وكذا الوكلاء العاملين لدى محاكم الاستئناف ،ويستنتج من التدرج الرئاسي أن قضاة النيابة العامة ملزمون بطاعة رؤسائهم ،وإلا تعرضوا لمساءلة تأديبية من طرف المجلس الاعلى للقضاء الذي يراسه وزير العدل بصفته نائبا عن الملك .
إلاان التدرج الرئاسي هو رهين بامرين :
 أـ إن قضاة النيابة العامة لهم سلطة ذاتية يستمدونها مباشرة من القانون بتحريك الدعوى العمومية الفصل 34 من قانون المسطرة الجنائية القديم (( يعهد إلى النيابة العامة بإقامة الدعوى العمومية ومراقبتها ضمن الشروط المحددة في الفصول الآتية .
ولها ان تطالب بتطبيق القانون .
في حين ان المادة 36 من قانون المسطرة الجنائية الجديد لوحظ في هذا الفصل تقدما ملموسا إذ جعل إختصاصات النيابة العامة في الدعوى العمومية من ولايتها وممارستها، ولايعهد لها بها من اية جهة ،
((تتولى النيابة العامة إقامة وممارسة الدعوى العمومية ومراقبتها وتطالب بتطبيق القانون ،وله أثناء ممارسة الحق في تسخير القوة العمومية مباشرة )).
وهذا من غير رجوع قضاة النيابة العامة لرؤسائهم ،أو ضد أوامر هؤلاء ومع ذلك فالدعوى العمومية المقامة تبقى صحيحة ،وعلى العكس إذا رفضوا تحريك الدعوى العمومية في قضية معينة ،رغم الأوامر المعطاة لهم فلايمكن لرؤسائهم الحلول محلهم ،فالوكيل العام للملك إذا أعطى مثلا تعليماته بتحريك الدعوى العمومية ضد شخص معين ورفض المرؤوس (وكيل الملك ) تنفيذ ذلك فلا يستطيع الوكيل العام للملك أن يحل محله .
وعلى العكس إذا امر الوكيل العام للملك مرؤوسه بعدم تحريك الدعوى العمومية ضد شخص معين ،فيمكن للمرؤوس تحريكها واللجوء إلى المحكمة لتقول كلمتها [3]
ب ـ إنه داخل النيابة المحددة بذاتها يكون التدرج الرئاسي اهون واخف فإذا كان على المرؤوسين في قراراتهم المكتوبة ان يراعوا الأوامر التي صدرت إليهم ،ففي الجلسة العلنية يمكنهم أن يعبروا عن طلباتهم بكل حرية ومخالفة القرارات المكتوبة ،،وهذا ما يعبر عنه المثل التقليدي القائل ،إذا كان القلم مقيد ،فإن الكلام طليق .
وقد نصت على ذلك المادة 36 من قانون المسطرة الجنائية القديم (( يجب ان تكون ملتمسات النيابة العامة مكتوبة ومطابقة للتعليمات المعطاة لها ضمن الشروط المنصوص عليها بالفصل 48.
ولها ان تبسط بكل حرية الملاحظات الشفاهية التي تراها لازمة لفائدة العدالة .))
ومثل هذا الفصل جاءت به المسطرة الجنائية الجديدة في المادة 38 مع تعديل الصياغة التي لها دلالات خاصة لواضعي هذا القانون (( يجب على النيابة العامة ان تقدم ملتمسات كتابية ،طبقا للتعليمات التي تتلقاها ،ضمن الشروط المنصوص عليها بالمادة  51  ،وهي حرة في تقديم الملاحظات الشفاهية التي ترى أنها ضرورية لفائدة العادالة .))
الوجوب هنا موجه للمؤسسة وقضاة النيابة العامة بعد ان كان الامر موجه إلى كيفية تقديم الملتمس الكتابي ان يكون مطابق للتعليمات التي اصبحت تنتظر تلقيها بعد ان كانت هي التي تأتي إليها تلقائيا من الفوق ,وزادت المسطرة الجنائية في الشدة في تركيز قرار التعليمات حينما اخضعتها للمادة 51 التي تعطي لوزير العدل الاشراف على تنفيذ السياسة الجنائية .
إلى جانب التدرج الرئاسي فإن رجال النيابة العامة ،والذين ينتمون إلى نيابة عامة واحدة ،فذلك الذي يتصرف او يتكلم لايفعل ذلك بإسمه الشخصي وإنما باسم النيابة العامة كلها ،وهذا ما يعبر عنه بمبدأ عدم قابلية النيابة العامة لتجزئة ،فاعضاء النيابة العامة يمكن أن يحل بعضهم محل البعض الاخر في النطق بالحكم ،على خلاف قضاة الحكم الذين لا  يملكون الحلول محل بعضهم البعض أثناء المداولات الخاصة بالقضايا الجنائية ،والتي ينبني فيها الحكم على القناعة التي تكونت لدى القاضي أثناء المناقشة التيدارت أمامه ،وإلا كان الحكم باطلا .
ورغم أن تمثيل النيابة العامة في الجلسات الجنائية ضروري ،فإنه يمكن لعضو من النيابة العامة أن يتخلى عن الحضور لبعض الجلسات ويحضر عنه عضو آخر .
كما أنه لايمنع عضو النيابة العامة الذي يصبح قاضيا للحكم ،من ان يفصل في قضية لم يكن له تهييئها للمحاكمة أي دور مباشر أو غير مباشر .
وقد  ذهب القضاء الفرنسي على ان سبق قيام القاضي بعمل من اعمال الاتهام ،قبل ان يعين قاضيا للحكم امر لايحول دون ان ينظر هو القضية ،إذ لايسوغ أن يصبح قاضيا في خصومة كان هو طرفا فيها .
ولابد من الوقوف هنا ما يمكن إعتباره عملا من اعمال الاتهام ،وبعبارة أخرى ماهو الفرق بين ما يعتبر عملا قضائيا وما يعتبر عملا خارجا عن ذلك .
التفرقة بين الاعمال القضائية والاعمال الادارية للنيابة العامة  
فموظفو النيابة العامة حسب مقتضيات الفصل 276غير قابلين للتجريح ،وبعبارة  أو سع فالنيابة العامة غير قابلة للرد في القضايا التي تكون فيها طرفا رئيسا ،
لكن عضو النيابة العامة الذي ينتقل إلى قضاء الحكم هل يمكن رده في قضية سبق أن باشر فيها عملا قضائيا هذا ماذهب إليه الاجتهاد القضائي المذكور اعلاه .
فطبيعة عمل النيابة العامة يختلط فيها القضائي والاداري ،وقد اختلف الفقه في التمييز بين الاعمال التي تعتبر قضائية والاعمال الادارية وانتهى إلى كون اعمال النيابة اعمال قضائية ،وذلك إذا تعلقت بمباشرة الدعوى العمومية مثل القبض والتفتيش والمصادرة والاعتقال الاحتياطي وأوامر الحفظ وأوامر الاحالة على المحاكمة .
ولذا فإذا صدر قرار مامن جهة إدارية ،وإقتصر فيه دور النيابة العامة على مجرد مجرد التنفيذ ،فإن عمل النيابة العامة في هذه الحالة لايعد عملا قضائيا .
والذي يهمنا هنا في سرد هذا المعيار المتبع للتمييز بين الاعمال القضائية والاعمال الادارية هو استخلاص نتيجة ضرورية تتمثل في ان ما يمكن يمكن إعتباره سببا لرد القاضي الذي باشر عملا من اعمال المتابعة ،هو الذي لايمكن لرئيس النيابة العامة أن يعدله لأن المرؤوس استمد صلاحية مباشرته من القانون وليس من تعليمات رئيسه ،ولكونهةلم يصبح ملكا للنيابة العامة ،بل خرج من يدها واصبح في يد المحكمة التي لها كامل الصلاحية لإقراره أو الحكم ببطلانه ،فمثلا إن قيام المرؤوس بتحريك متابعة ضد شخص معين ضد التعليمات الصادرة إليه أو العكس عدم إجراء متابعة ،او رفع اليد على مسطرة لعدم الاختصاص نكلها تعد من الاعمال القضائية التي يمارسها المرؤوس بمقتضى القانون وليس بمقتضى توكيل من رئيسه .
علاقة رئيس النيابة العامة بالمرؤوس
فكيفية معالجة تصريف القضايا اليومية لدى كل نيابة عامة يسير حسب المفهوم والسلوك الذي يراه رئيسها بأنه الامثل للحصول على نتائج مرضية .
ومن بين هذه السلوكات والمفاهيم تلعب علاقة رئيس النيابة العامة [4]  بمرؤوسيه دورا هاما ،فالاساس الاول الذي يجب اعتماده هو الاحترام المتبادل في توجيه التعليمات ،ونبد مسألة الدونية التي يعطيها بعض الرؤساء لمرؤوسيهم والتي هي ناتجة عن المفهوم الخاطئ الذي تنبني عليه نظرتهم لتسيير النيابة العامة التي هم مكلفون بها .
فالمرؤوسون هم قضاة معينون بظهير شريف ،وان محاولة اخضاعهم للتعليمات يجب ان تكون وفق القانون وبطريقة الحوار المقنع ،لابطريقة الترهيب والترغيب .
وهذا الاشكال ناتج كما سبق عن العمل القضائي للمرؤوس هل يستمده من رئيسه الذي له تجربة
عليه ، أم من القانون ؟
فالقانون يعطي لرئيس النيابة العامة وكذا مرؤوسيه الحق في مباشرة الاعمال القضائية داخل دائرة نفوذ المحكمة المتواجدين بها ،إلا أن اتساع رقعة الدائرة وكثرة القضايا التي يستحيل على رئيس النيابة العامة مباشرتها شخصيا .فيتم ذلك عن طريق ما يسمى بتوزيع المهام على كافة المرؤوسين كل حسب اختصاصه ومكانته وهذا التوقيع مستمد من نصوص القوانين نذكر منها الفصول 34و35و 36 و37 وما بعده من قانون المسطرة الجنائية .
وأن هذا التوزيع للأشغال داخل النيابة العامة لايخضع لأحكام الوكالة كما يتصور أو يتصرف البعض على ان النواب هم مجرد تابعين لا يحق لهم اتخاذ المبادرة إلا بعد أخذ الموافقة من الرئيس ،وإلا سيعتبرون بمثابة موظفين ليست لهم صفة قضاة يتلقون ما يسمعون دون أدنى مناقشة .
وهذا سيؤدي إلى ان تذوب شخصية المرؤوس تماما في فضاء رئيس النيابة العامة ،وبالتالي لامجال للإحتفاظ بالنصوص المنظمة لمسؤولية النواب ، ولا كذلك نشرات التنقيط الخاصة بتقييم اعمالهم وبالمقابل يتعين إقرار المسؤولية ،التامة على الرئيس في اي عمل قضائي يباشر بدائرته ،بل الاكثر من ذلك يتعين توقيف عمل النيابة العامة في حالة حصول مانع قاهر لرئيسها ،إلى حين عودته إذا كان الامر مؤخوذا على أن النواب يستمدون سلطتهم من الرئيس لامن القانون مباشرة ،وهذا المنطق غير مستساغ قانونا ،وبالاحرى ان يتقبله قضاة النيابة العامة .
تفاعل المرؤوس مع تعليمات رئيس النيابة العامة
ويختلف تفاعل المرؤوس فيما يتعلق بالتعليمات الموجهة إليه من رئيسه حسب ما إذا كانت التعليمات كتابية أم شفوية .
فالتعليمات الكتابية تجعل المرؤوس حسب اعتبار البعض مثل الوسيط لاإرادة له في تغييرها لأن كامل المسؤولية يتحملها الرئيس في حالة وجود خطأ نتج عنه ضرر.
إلا انه إذا كانت غاية النيابة العامة هي الدفاع عن القانون وحماية حقوق وحريات الأفراد والجماعات ،فإن من واجب المرؤوس أن يتحلى بالشجاعة لتغيير التعليمات الكتابية غير القانونية وغير العادلة ، ويدافع عن موقفه امام اية جهة مختصة .
اما التعليمات الشفوية فلا تخرج عن امرين إما ان يتلقاها المرؤوس مباشرة من الرئيس المتواجد معه بنفس المحكمة أو عن طريق الاتصال بالهاتف .
في هذه الحالة تلعب تجربة وحنكة المسؤول في كيفية تمرير اشغال النيابة العامة التي هو مشرف عليها، ففي القضايا المعروضة يمكن ان يضع رفقة نوابه الخطوط العريضة لطريقة معالجتها حسب السياسة العامة التي تتبناها الحكومة مثلا التخفيف من الاعتقالات واستبدالها بالكفالات المالية في غير الجرائم الخطيرة أو تحديد سقف معين للجرائم المالية التي تتم المتابعة فيها في حالة اعتقال .
ويمكن ان تضمن هذه التعليمات الشفوية ،الناتجة عن مناقشة جماعية بين الرئيس أو المرؤوسين في محاضر للرجوع إليها عند الحاجة (حين وجود خلاف أو صعوبات عند التطبيق أو اضرار ) وهذا النوع من التعليمات لايمكن مخالفته أو الامتناع عن تنفيذه ،مادام ان امكانية التحفظ عليه يمكن إثارتها امام المسؤول .تبقى التعليمات لايمكن مخالفته أو الامتناع عن تنفيذه ،مادام أن إمكانية التحفظ عليه يمكن إثارتها امام المسؤول ،تبقى التعليمات الشفوية التي تخص بعض القضايا الخاصة والتي لها حساسية معينة ،سواء أمنية أو تهم   الراي المحلي أو العام ،ولم يسبق توقعها من طرف رئيس النيابة العامة فهذه لابد   للمرؤوس ان يستعين باستشارة رئيسه الذي له تجربة وخبرة وقد يكون على علم باشياء لايتأتى للمرؤوس معرفتها ،لأنه بعيد عن موقع الاتصال به .
فبمجرد ائتمان الرئيس وتقليده مسؤولية الاستشارة من طرف المرؤوس ،إلا وعليه ان يرشده ، وينبر له الطريق بتوضيح الظروف المحيطة بالقضية ليتم اتخاذ القرار المناسب الذي يمثل المجتمع ويسعى إلى تحقيق الفضيلة .
وفي حالة العكس عندما يكون رئيس النيابة العامة متبعا لهواه ،فإن امره يكون غير ملزم للمرؤوس ،ويتعين على هذا الاخير التحري في تطبيق القانون نوالدفاع عن موقفة امام اية مساءلة .
موقف رئيس النيابة العامة من مخالفة وجهة نظره
وموقف رئيس النيابة العامة ،حين مخالفة رأيه يتخذ عدة صور منها ماهي قانونية وأخرى غير شرعية ،إذ قد يتقبل القرار الذي إتخذه المرؤوس اعتبار ا ان الحق قديم ولا شيء يمنع من الرجوع إليه حسب رسالة سيدنا عمر رضي الله عنه ،او يصححه بطريق الاقناع الذي يمتثل له المرؤوس ويعدل عن القرار الذي اتخذه مادام أنه في طور التشاور .
وإما ان يلجأ إلى الوسائل المتاحة لديه قانونا بالتوجه إلى السلطات الرئاسية المهنية حسب ما تفرضه عليه سلطته الرئاسية ،وهنا يتحمل كل من رئيس النيابة العامة ومرؤوسه وزر عمله ،فيما إذا كان الامر مجرد خطأ في فهم القانون صعب على رئيس النيابة العامة توضيحية إلى المرؤوس ،أو عن خطأ جسيم ناتج عن سوء النية .
وقد يلجأ رئيس النيابة العامة إلى الوسائل غير ملموسة وغير قانونية في نفس الوقت ،إذ كان عدم إنصياع المرؤوس لتعليماته تم التماسه قبل اتخاذه لأي إجراء ،فيتم سحب القضية منه وإحالتها على مرؤوس آخر ،وبذلك يمارس الرئيس نوعا من الرد أو التجريح أو الاحالة من اجل التشكك في المرؤوس الرافض لوجهة نظره إستنادا إلى سبب عدم توافق وجهات النظر ،وهذه الحالة لم يسبق ان أقرها لا العمل القضائي ولا القانون .
أو بتنحيته عن القضايا التي تثير إشكالات ،والمعروف فيها موقف المرؤوس مسبقا ،وتكليفه بقضايا لايمكن أن ينتج عنها مستقبلا اي تعارض في تطبيق وجهات النظر بين الرئيس والمرؤوس .
تبقى الحالة الثانية التي يتخذ فيها المرؤوس قرارا كتابيا ملموسا ثابت النتاريخ مخالفا لوجهة نظر رئيسه ، فتخرج عن هذا المضمار المراسلات الادارية ،التي يحق للرئيس  تعديلها حسب الاسلوب الذي يراه مناسبا ،لكونها ليست أعمالا قضائية .
فالقرارات القضائية المتخذه مثلا أمر الشرطة بتفتيش أو حجز أو اجراء معاينة ،أو مثلا بإجراء متابعة ضد زيد وحفظها ضد عمرو وغيرها من الاعمال التي تتصف بالعمل القضائي للنيابة العامة .
هنا لابد من التمييز بين القضايا التي مازالت في طور البحث التمهيدي ،وتحت إشراف ومراقبة النيابة العامة وبين القضايا التي انتهى فيها البحث التمهيدي واتخذ فيها إجراء من اجراءات المتابعة .
فالأولى التي مازالت تحت إشراف ومراقبة النيابة العامة ،فليس هناك ما يمنع رئيس النيابة العامة من الامر بتعديلها بواسطة امر كتابي مع اتخاذ ما يلزم قانونا في حق المرؤوس الذي تصرف ضدا على التعليمات وذلك مشروط بوجود سوء النية كما سبق القول وطبعا تخرج هنا المسائل التي يعود امر تقديرها للمرؤوس مثل تقديم الاطراف امام النيابة العامة ،او عدم تقديمهم فكلها قرارات للرئيس تتعديلها ولو شفويا .
اما الاعمال القضائية الثانية والتي اتخذ فيها المرؤوس قرارا كتابيا يتعلق بإجراءات المتابعة ،كإحالة المتهمين في حالة اعتقال على الجلسة او العكس في حالة سراح  .فهي اعمال خرجت من اختصاص النيابة العامة وبالحرى صلاحية رئيسها ،واصبحت من اختصاص المحكمة التي لها صلاحية البت في صحة الاجراء الذي اتخذه المرؤوس ،وكل تعديل من طرف رئيس النيابة العامة يعد غصبا لاختصاص المحكمة ولو لم تتم إحالة الاجراء عليها ،هذا بالطبع إذاكان المرؤوس مازال متمسكا بموقفه ولم يتم اقناعه بالعدول عنه .
إن صلاحية رئيس   النيابة العامة ،هي محدودة فيما يخص تعديل عمل مرؤوسيه ،وذلك في المسائل التي لاتؤتر سلبا على البحث التمهيدي " كالميل لأحد الاطراف " أو غض الطرف عن بعض عناصر البحث للوصول إلى الحقيقة ، وتنعدم صلاحيته في اي تعديل حين يتخذ قرار من طرف المرؤوس يشكل بمثابة رفع اليد عن القضية وإحالتها على المحكمة كتحرير المتابعة أو ملتمس كتابي أو تقرير إستئنافي .
وقلما تطرقت الابحاث القانونية لهذه الاشكالية تأسيسا على أن رئيس النيابة العامة لايمكن أن يخطأ وان المرؤوسين هم من يتعرضون للأخطاء والمسؤولية في حين أن الرئيس لايسأل .
ختاما فإن كل من رئيس النيابة العامة والمرؤوس يسعيان في عملهما إلى إنشاد العدالة والفضيلة أولا والرقي بالعمل القضائي لجهاز النيابة العامة وجعله وسيلة من وسائل خدمة المجتمع ثانيا .
ولن يتأتى ذلك إلا بتفاهم الاطراف الفاعلة داخل الجهاز المذكور ،والذي يقوم اساسا على مجهودات المرؤوسين ،هم طوع أوامرهم وإن كان هناك خلل أو سوء سير أحد مرافق العدالة فيتحمل المشرف أعظم المسؤولية لأنه هو الذي يوجه التقارير السنوية عن المرؤوسين فإن كانت مغلوطة ولاتطابق الواقع فيتعين مسائلته عليها .
عبدربه : محمد عنبر رئيس غرفة بمحكمة النقض ونائب رئيس نادي قضاة المغرب .



[1]  ذكر ت الاعمال القضائية بين قوسين وذلك إما انها تكون مطابقة تمام المطابقة للقانون فتكون أعمالا قضائية صادرة عن قاضي النيابة العامة ،ولاتستوجب مخالفة التعليمات الرئاسية هنا اية مسؤولية .
أو تكون مخالفة للقانون وكذا التعليمات الرئاسية ،فلا تحمل هنا صفة العمل القضائي وتستوجب المسؤولية .
[2] نور هنا مقتطف من تقرير حول جهاز النيابة العامة الفلسطينية للمحامي محمود شاهين سلسلة التقارير القانونية 07 ((.... تشهد الحياة العامة العملية واقعا مختلفا لعلاقة وزير العدل بجهاز النيابة العامة يخرج عن النطاق الذي يرسمه القانون وهذا ما أكده النائب العام السابق فايز ابو رحمة الذي قدم إستقالته في نهاية أذار 1998، إجتجاجا على الوضع العام الذي يعاني منه جهاز النيابة العامة ، ويمكن لنا أن نستخلص بسهولة مستوى وطبيعة العلاقات القائمة بين وزير العدل ورئاسة النيابة العامة من عبارات النائب العام بعد قبوله استقالته حيث قال : ((....بدات العمل في النيابة العامة وسط منغصات وعقبات وضعها أمامي وزير العدل ...لمست ان وزير العدل يريد أن يحرمني حقي في الحديث وصلاحيتي حيث كلف اثنين من المساعدين لي بالتوقيع على قرارات ومحاضر النيابة العامة وطلب مني ان يكون المساعدان ضمن من يكون لهم صلاحية التوقيع ،فقمت مباشرة بتجميد نشاطهما بالكامل ولم يوقعا على أي ورقة منذ توليت هذا المنصب وختى تركه ، وأضاف ان وزير العدل اتصل بوزير المالية وطلب منه عدم إمدادالنيابة العامة بأي أموال لدفع الايجارات وثمن الاثاث ، مما يتنافى مع عمله الاساسي وهو خدمة المرفق القضائي ، ثم قام بسحب اثنين من العاملات معي ( السكرتيرة والطابعة وافذن الذي يخدم في مقر النيابة العامة ثم سحب واحد من الحارسين الاثنين اللذين يعملان معي ونقله إلى منطقة الشجاعية ،وعندما حاولت أن اعوض هذا النقص واتصلت بقائد المنطقة الشمالية محافظ الشمال حيث عين في مكتبي طابعة وبديلا للحارس قام وزير العدل بشن حملة شعواء عليه وأجبره على سحب الاثنين ... لقد قدمت المذكرة تلو المذكرة والشكوى واستمر الازعاج وعرقلة العمل فقررت ان الاستقالة هي افضل وسيلة حفاظا على مصالح الناس بالدرجة الأولى )).
واضح من أقوال النائب العام السابق أنه كانت هناك إجراءات ومحاولات من وزير العدل تستهدف إنتزاعا فعليا لبعض اختصاصاته وفرض االسيطرة عليه ،وهو امر يهدر استقلال السلطة القضائية .
وفي الآونة الأخيرة لوحظ سيل من الكتابات توجه إلى قضاة النيابة العامة تحت عنوان ((تنبيه)) والتي تمس باستقلالهم ،والذين لم تعط لهم فرصة الدفاع ،وتوضيح وجهة نظرهم ،فتم اعتماد كتابات سرية من الرؤساء التي قد تكون مبنية على اسباب غير حقيقية .
الشيء الذي يفيد أن هناك خلطا لدى طاقم وزير العدل بين سلطته الرئاسية المتمثلة في إصدار الوامر لقضاة النيابةالعامة ،والسلطة التأذيبية التي يعود الاختصاص فيها للمجلس الاعلى للقضاء وقد يقال أن تلك الكتابات تم اتخاذها في إطار الفصل 60من النظام الاساسي لرجال القضاء وذلك أنها عقوبة تتخذ من وزير العدل بعد إستشارة المجلس الاعلى للقضاء إلا انه ان حق الدفاع للمعنيين بالأمر لم يحترم وان مهام القضاة هي اسمى من اللجوء إلى المحاكم الادارية للطعن في تلك الكتابات المنعدمة الأساس الشيء الذي يدفع إلى التفكير في تامين قضاة النيابة العامة وقضاة الحكم ضد النفوذ السياسي وأهوائه .

[3]  يبقى هنا للسلطة الرئاسية في حالة عدم الانصياع إليها أن تلجا إلى أعلى سلطة الوكيل العام للملك بالمجلس الاعلى أو وزير العدل ،إلا ان الذي يمكن أن يفصل نهائيا في الامر هو المجلس الاعلى للقضاء الذي يعتبر محكمة القضاة ،وقد شهد العمل القضائي مثل هذه الحوادث إبان الحملة التطهيرية التي عرفها المغرب سنة 1995.
[4]  حكم محكمة القضاء الاداري في القضية 751لسنة 8 ق المجموعة السنة 9 ص 302 المنشور بمؤلف الدكتور سامي جمال الدين ( الرقابة على اعمال الادارة ) ص 237 .
(( المقصود برئيس النيابة العامة هنا كل مسؤول على المحكمة سواء على مستوى أول درجة أو محاكم الاستئناف .

dimanche 22 avril 2012

ثقافة الاحتجاج بين الواقع والقانون : من إنجاز محمد عنبر رئيس غرفة بمحكمة النقض بحث منشور بمجلة الاشعاع عدد28 تصدرها هيأة المحامين بالقنيطرة


بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
الحمد لله ،
مـقـدمة :
يقصد بالاحتجاج هنا ذلك الشكل من الأشكال الملموسة للتعبير عن الرأي ، أو ما يسمى في التعريف الحقوقي بحرية التعبير[1]،والمنصوص عليها في الميثاق العالمي لحقوق الانسان المؤرخ في 10دجنبر 1948 بالمادة 19 التي جاء فيها (( لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة ،وفي إلتماس الأنباء والأفكار ،ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود ،والمضمونة أيضا بنص الدستور لسنة 1996 الصادر الأمر بتنفيذه بموجب الظهير الشريف رقم 157.96.1 المؤرخ في 23جمادى الأولى 1417 الموافق 7أكتوبر 1996، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4420بتاريخ 10/10/1996 في فصله التاسع والذي جاء فيه :
يضمن الدستور لجميع المواطنين :
أـ حرية التجول وحرية الإستقرار بجميع أرجاء المملكة .
ب ـ حرية الرأي وحرية التعبير بجميع أشكاله ...إلخ
ونص الدستور الحالي الذي صادق عليه الشعب المغربي بتاريخ فاتح يوليوز 2011 بشكل متطور على حرية الرأي و التعبير  وخصص لها اربعة  فصول 25إلى 29  .
وقد تتخذ أشكال الاحتجاج أو الاعتراض عدة صور ،حسب كل حالة سواء فردية أو جماعية ،وسواء صادرة عن محكومين فيما يخصهم ،او في مواجهة الحاكمين .
والذي يهمنا من هذا البحث هو صور الاعتراض الموجه إلى الحاكمين من طرف المحكومين نتيجة تعامل هؤلاء مع الادارة وتوقف مصالحهم على يد القائمين عليها والاعتراض الواقع بين الحاكمين في علاقة المرؤوسين برؤسائهم .
فهل حرية التعبير عن الرأي أو حق انتقاد الخدمات التي تقدمها السلطة العامة لها حدود أم لا ؟ وهل هناك حماية للمواطن من تعسف الإدارة حين إستعمال حريته في التعبير ؟
إن اغلب المواطنين يتعرضون يوميا لإنتهاكات لحقوقهم من طرف الادارة [2]، إذ ان التعتيم والتحصين الذي بنيت عليه علاقة الإدارة بالمحكومين من جهة ،وثقافة اللامبالاة والخوف التي زرعت  في النفوس  من جهة اخرى إضافة للإنشغال بكسب المعيشة بعيدا عن كل التعقيدات المسطرية التي قد تجر لما لاتحمد عقباه ،كل ذلك جعل المرء يشعر بكونه خارج مجال الشأن العام ،ويتفادى صعوبة اللجوء إلى المرافق الإدارية ما أمكن .
حق الاحتجاج في الاسلام
ولا بد أن نقف هنا على ماجاءت به الشريعة الاسلامية السمحاء والسنة النبوية الشريفة وعمل الصحابة رضوان الله عليهم ،قبل  التطرق إلى ماجاءت به القوانين الوضعية .
فقد قال عز وجل : ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون على المنكر )) كما قال سبحانه وتعالى ((...كنتم خير أمة أخرجت للناس ،تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ...)) وقال تعالى ((....وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ...)).
فالشريعة الاسلامية تبيح إبداء الراي بكامل الحرية ،وقوة الإيمان تقاس بمدى شجاعة الفرد في التعبير
عن رايه .
فما نظام الحسبة في الاسلام وولاية المظالم اللذين تم إحياؤهما امام موجة حقوق الانسان إلا تطبيق لقوله تعالى في الآيات الكريمة ،فالحسبة هي إحدى صور الاحتجاج والإعتراض [3] على الاعمال المخالفة لمقاصد الشريعة ، لتكون كلمة الله هي العليا ،ولم يكن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ،وهو يدعوا إلى الاسلام ،يقود الفئة المسلمة على طريق الهداية ،الا اول المحتسبين في الاسلام وافضلهم واعظمهم أثرا من اجل ان يقوم الناس بالقسط ويدينوا بالعبودية لله رب العالمين .
وقد  قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث شريف ،من راى منكم منكرا فليغيره بيده ،فإن  لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الإيمان . 
وهكذا نرى أن الاسلام كان يحث ويحمي في نفس الوقت حرية التعبير عن الرأي ، والرسول الكريم صلوات الله عليه كان ينهي عن التعرض لصاحب الشكوى وعن الحيلولة دون تقديم شكواه مهما كانت طريقة عرضها ،ولو كانت جافة التعبير ، وكان يقول ((إن لصاحب الحق مقالا )).
فالمواطن حين لجوئه إلى السلطات العامة يطمح إلى إشباع ماهو متوقف عليه من الإدارة ،ولايخلو الأمر من إحدى نتيجتين ،إما ان تتم الإستجابة لأغراضه على الوجه المطلوب وهنا لايقع اي إحتجاج او العكس ، فيعبر عن رأيه بشكل أو بآخر احتجاجا على الخدمة التي من المفروض في السلطة العامة ان تؤديها له . وهنا رد فعل الإدارة الذي يأخذ شكلا ملموسا يتجلى في اللجوء إلى الجزاءات الزجرية أو إلى الوسائل الكيدية غير الملموسة .
طلب المواطن لخدمة الإدارة وأشكال الاحتجاج عليها 
فالأفراد  قد يلجؤون إلى الإدارة بصفة عامة ،سواء كانت محلية أو مركزية ،طلبا لخدمة ضرورية تدخل في صميم مهامها مثلا : تنظيف الاحياء توفير الماء الصالح للشرب والكهرباء ـ مد قنوات الواد الحار ـ تعبيد الطرق ـ توفير الأمن ومحاربة الجريمة ـ بناء المدارس والمستشفيات ،والمساحات الخضراء ، محاربة الغش والبناء العشوائي ،والمحافظة على جمالية المدينة أو القرية ،تسليم الوثائق الإدارية .....إلخ 
كل هذه المهام تجعل القائمين على الادارة يتصورون ،بل هذا هو الاعتقاد السائد ،أنهم موجودون في مناصبهم لينعموا على المحكومين بهذه الإمتيازات[4] ، إنطلاقا من مفهوم تولد لديهم بانهم أولياء نعمة ،وليس أنهم خادمين للمواطنين ،شانهم في ذلك شان المستعمر الذي كانت له مبررات استعمارية تهدف إلى نقل خيرات البلاد إلى وطنه الأصلي .
وإنطلاقا  من هاتين الثقافتين المتناقضتين يحصل الإعتراض من طرف الموطن ،وذلك بعدة أشكال : 
ـ إما ان يكون إيجابيا وفوريا 
ـ وإما سلبيا بعد مدة يأخذ صورة حكاية لحدث ،كما قد يكون الإحتجاج شفويا أو كتابيا .
الإحتجاج الشفوي الفوري و المؤجل :
 1 ـ الاحتجاج الشفوي الفوري:
فإن كان الاعتراض شفويا وفوريا عن الخدمة المقدمة من طرف الادارة ووصل إلى حد قد يرى القائم عن الادارة أنه خارج القوانين المرسومة ،فإنه يلجأ إلى المقتضيات الجزائية ضمانا لحماية الإدارة من تمرد المحكومين عليها [5] ،وذلك ما أكدت المادة 19من الظهير الشريف رقم 1.58.008بتاريخ 4 شعبان 1377(24فبراير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ،والتي جاء فيها ((يتعين على الإدارة ان تحمي الموظفين من التهديدات والتهجمات والاهانات والتشنيع والسباب التي قد يستهدفون لها بمناسبة القيام بمهامهم ،وتعوض إذا اقتضى الحال وطبقا للنظام الجاري به العمل الضرر الناتج عن ذلك في كل الأحوال التي لايضبطها التشريع الخاص برواتب التقاعد وبضمانة الوفاة ،حيث إن الدولة هي التي تقوم مقام المصاب في الحقوق والدعاوى ضد المتسبب في الضرر )).
نص مماثل الفصل 20 من ظهير شريف بمثابة قانون رقم 467.74.1بتاريخ 26شوال 1394 (11نونبر 1974) يتعلق بتنظيم محاكم الجماعات ومحاكم المقاطعات .
فالظاهرة المذكورة متعددة الوقوع يوميا على صعيد عدة إدارت ،وهي جديرة بالتوقف عندها ، لكونها تشكل خط التماس بين الحق والواجب ،أي بين حرية المواطن وإلتزام الإدارة .
فما هو المعيار المحدد للمواطن للإحتجاج على الادارة في حالة عدم رضائه بخدمة معينة ؟
( بطء أو تماطل أو محسوبية أو رشوة ........إلخ )
لاشك أن الأمر جد معقد ،لكوننا أمام ظاهر إجتماعية يصعب ضبط قواعد علمية محددة لها [6] إذ كيف أن الادارة المحتج ضدها هي التي تقرر أن المواطن قد خرق قواعد التعامل الحضاري وارتكب مخالفة للقواعد الجزائية ؟
فالجواب عن وجود معيار محدد للإحتجاج هو بالنفي لصعوبة ذلك ،لأننا امام ظاهرة إنسانية كما قلت من المستحيل ضبط قواعد لها ،فمثلا نص المشرع المغربي بالدستور على ضمان حق الاضراب الذي هو شكل من اشكال الاحتجاج يقول الفصل 14 من دستور 1996((إن حق الإضراب مضمون ...وإن قانونا تنظيما سيصدر لتحديد كيفية وشروط ممارسة هذا الحق ،إلا أنه لم يصدر لحد الساعة لصعوبة ضبط قواعد علمية للظاهرة الإنسانية ، ويبدو ان المصادقة على الدستور الجديد لفاتح يوليوز 2011 والذي تضمن في فصله 29نفس النص ،ستبشر بخلق قانون تنظيمي يضبط هذه الظاهرة ، وبالمقابل نجد القانون الجنائي يعاقب على عرقلة حرية العمل بالفصل 288 إذ ينص  (( يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين وبغرامة من مائة وعشرين إلى خمسة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط من حمل على التوقف الجماعي عن العمل أو على الإستمرار فيه أو حاول ذلك مستعملا الإيذاء أو العنف أو التهديد أو وسائل التدليس ، متى كان الغرض منه هو الإجبار على رفع الجور أو خفضها أو الإضرار بحرية الصناعة أو العمل .
وإذا كان العنف او الإيداء أو التدليس قد أرتكب بناء على خطة متواطئ عليها ،جاز الحكم على مرتكبي الجريمة بالمنع من الاقامة من سنتين إلى خمس سنوات .))
فكيف نوازي بين ضمان حق الاضراب وبين عدم عرقلة حرية العمل ؟
لاشك ان تداخل هذين الحقين وعدم ايجاد حد فاصل بينهما يخلق لدى القضاء ورجال القانون خللا في المعادلة الحقوقية [7] اي إشكالية احترام النص القانوني من جهة ،وتحقيق العدالة من جهة أخرى ،فقد اصدر المجلس الاعلى(محكمة النقض حاليا) إحدى القرارات المنشورة بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد52 ص201 (( إن كان حق الاضراب حقا مشروعا بمقتضى القانون ،فإن الغاية منه هي الدفاع عن حقوق مشروعة للعمال المضربين ....))
أما عندما يتجاوز حق الاضراب التعبير الشفوي عن عدم قبول المعاملات غير الإنسانية بإحتلال أماكن المؤسسة وتوقيف حركة العمل واحتجاز الآلات العمل والإعتصام داخل المؤسسة ،فإن حق الاضراب هنا يكون قد مس بحقوق أخرى ،منها حق الملكية وحرية العمل ،فاعتبر القضاء هذه الاعمال غير مشروعة وامر بإخلاء أماكن العمل من طرف العمال المضربين ،وهذا الاتجاه الرامي إلى خلق حدود لممارسة حق الاضراب لايخلو من انتقادات  مثلا الاحتجاج الشفوي فقط لن يجبر الطرف الآخر على الإدعان للتحاور .
كما أن القضاء المغربي لم يصل في احكامه المتعددة إلى تحديد مفهوم العصيان وتحقير المقرر القضائي اللذين يشكلان صورة من احتجاج المنفذ ضدهم .
فذهب المجلس الأعلى في القرار 6817/90 الصادر في 26يوليوز 1990بالملف الجنائي عدد 16567/89، المنشور بمجلة منشورات المجلس الاعلى في الذكرى الأربعين ـ الصفحة 123 ((إن جريمة تحقير مقررات قضائية ، كما هو منصوص عليها في الفصل 266 من القانون الجنائي لا تقوم بمجرد الامتناع عن تنفيذ حكم ، بل يجب أن تصدر من الجاني أقوال أو أفعال من شأنها المساس بحرمة القضاء ...))وذهب أيضا في القرار رقم 1439/5 الصادر في 26يوليوز 1995 بالملف الجنائي 14068/92 المنشور بنفس المجلة الصفحة 205(( إن الحكم الابتدائي المؤيد بالقرار المطعون فيه لم يكن بدوره معللا طالما أنه لم يبين الوقائع المادية المكونة لجريمة العصيان وكيفية ارتكابها ،والتي يشترط لقيامها أن يكون هناك عنف أو إيذاء أو تهديد باستعمال العنف وإن المقاومة السليمة لاتشكل جريمة العصيان .)).
فالقضاء حاول أن يوسع من حرية الاحتجاج لدى المحكوم ضدهم بمناسبة التنفيذ عليهم ،فتارة يشترط لقيام جريمة تحقير مقرر قضائي صدور اقوال او افعال من شأنها المساس بحرمة القضاء ،ومجرد الامتناع لايشكل الجريمة المذكورة ، وكان الإمتناع لايعد فعلا خرج إلى الوجود المادي المراد به عدم الإنصياع لحكم أصبح نهائيا وفيه مساس بحق اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالحقوق ،وإلا فما جدوى اللجوء إلى المحاكم إذا كان الأفراد سيصرحون ضد المنفذ بأنهم لايقصدون المس بحرمة القضاء ،ولكنهم يمتنعون عن التنفيذ .
وتارة أخرى يشترط القضاء المغربي في جريمة العصيان أن تكون مصحوبة بعنف أو إيذاء أو بالتهديد باستعمال العنف .أما المقاومة السلمية فلا تشكل جريمة العصيان إذ رفض المواطن مصاحبة الشرطة للمخفر وإنبطاحه على الارض أو جلوس المتظاهرين على الارض ورفضهم فض التظاهرة كما نصت على ذلك مقتضيات الفصل 19 من الظهير الشريف المؤرخ في 15نونبر 1958 والمعدل بظهير 11أبريل 1973 (( إذا وقع تجمهر مسلح في الطريق العمومية خلافا لمقتضيات الفصل 17أعلاه ،فإن عميد الشرطة أو كل عون آخر يتوجه إلى مكان التجمهر يعلن عن وصوله بواسطة مكبر للصوت ، ثم يامر العون المذكور المتجمهرين بالانفضاض والانصراف ،وفي حالة إبداء تصلب يقع تشتيت المتجمهرين بالقوة .)) واعتصام العمال داخل المصنع ورفضهم الخروج من مقر المصنع أو الشركة رغم القرارات الإدارية أو القضائية الصادرة في حقهم ،كل ذلك لايشكل حسب المفهوم المذكور جريمة العصيان مادام أن الامر يمارس بواسطة مقاومة سلمية .
الواقع أن بعض الفقه يرى أن حق المواطن في التعبير عن احتجاجه ضد أي موقف يراه غير موافق للقانون ومبادئ العدالة رهين بعدم المساس بحقوق وحريات الغير .
ومثال آخر يتجلى في حق المواطن في الاحتجاج على الادارة وتطبيق المقتضيات الجزائية المتمثلة في إهانة موظف فالفصل 263 الذي جاء فيه (( يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة من مائتين وخمسين إلى خمسة آلاف درهم ،من اهان أحد من رجال القضاء أو من الموظفين العمومين أو من رؤساء او رجال القوة العامة أثناء قيامهم بوظائفهم أو بسبب قيامهم بها ، بأقوال أو إشارات أو تهديدات أو إرسال أشياء أو وضعها ،أو بكتابة أو رسوم غير علنية ،وذلك بقصد المساس بشرفهم أو بشعورهم أو بالاحترام الواجب لسلطتهم .
وإذا وقعت الإهانة على واحد أو أكثر من رجال القضاء أو الأعضاء المحلفين في محكمة أثناء الجلسة فإن الحبس يكون من سنة إلى سنتين .
وفي جميع الأحوال يجوز لمحكمة القضاء علاوة على ذلك أن تامر بنشر حكمها وإعلانه بالطريقة التي تحددها على نفقة المحكوم عليه ،بشرط ألا تتجاوز هذه النفقات الحد الأقصى للغرامة في الفقرة
 الأولى .)).
لاشك أن المواطن الذي يطلع أول مرة على مقتضيات الفصل المذكور ستثبط عزائمه في التفوه ولو بكلمة (أف) احتجاجا على الخدمة المقدمة له من القضاء أو الادارة ، لأن أي معيار موضوعي في هذا الشأن غير موجود ،إضافة إلى عمومية الفصل وقابليته لإستيعاب أي أسلوب تعبيري عن إرادة الإحتجاج ،مما يفتح المجال للسلطة الحاكمين في التحكم بشكل قوي في حرية المواطن في
الاعتراض .
فتعبير المواطن أمام موقف معين للقضاء أو الادارة بكونه غير مشروع لوجود عنصر من العناصر المخلة بالمساواة ( كالادعاء بوجود الرشوة مثلا أو استغلال النفوذ )يعرضه للمساءلة عند عدم اثبات مايدعيه ، وإن كان الواقع يؤكد استحالة تحقق هذا النوع من الاثبات ،لكونه ينشأخفيا ويراعي بكامل السرية ، إلا في بعض الحالات النادرة ،ويجعل القاضي أو الموظف الذي وجه إليه الاحتجاج هو الخصم والحكم ، وهذا غير مستساغ قانونا ،لإخلاله بقاعدة حياد الجهة التي توجه الإتهام .
فماهي الجهة التي اعطى لها القانون حق تحديد الخط الذي لايجوز للمواطن أن يتجاوزه في إحتجاجه ؟
فهل هو الموظف المحتج ضده أم رئيسه أم أن هناك جهة أخرى محايدة ؟
وذهب المجلس الاعلى ايضا في القرار رقم 1439/5 الصادر في 26يوليوز1995 بالملف الجنائي 14068/92 بنفس المجلة الصفحة 205(( إن الحكم الابتدائي المؤيد بالقرار المطعون فيه لم يكن بدوره معللا طالما أنه لم يبين الوقائع المادية المكونة لجريمة العصيان وكيفية ارتكابها ،والتي يشترط لقيامها أن يكون هناك عنف أو إيذاء أو تهديد باستعمال العنف ،وإن المقاومة السلمية لاتشكل جريم العصيان .
إن المقتضيات القانونية ساكتة في هذا المجال بإستثناء ما نصت عليه المسطرة الجنائية بالفرع الثالث المتعلق بالاحالة من أجل التشكك المشروع في الفصلين 272و273 وبالفرع الرابع عن الاحالة من أجل مصلحة عامة في الفصل 174 والجزء الثاني المتعلق بتجريح القضاة [8] الشيء الذي فتح الباب لعدة موظفين من ذوي النيات السيئة أن يجروا مواطنين في قضايا كانوا فيها هم الخصم والحكم .
وفي رايي المتواضع ،لابد من جعل حد لهذا الغموض في تحديد ما يعتبر احتجاجا على عمل الادارة وما يشكل جريمة الإهانة المنصوص عليها بالقانون الجنائي [9] .فالمواطن الذي يصدر منه هذا السلوك لم يلجأ إلى الادارة قصد توجيه الإهانة إلى موظفيها أو قضاتها بقدر ما يرمي إلى الحصول على خدمة عادلة .لذا فان احتجاجه الفوري والشفوي ينم عن خلل في أداء الخدمة المطلوبة من الادارة من جهة ،وعن أن الأمر تجب معالجته من زاوية الإدارة بالبحث عن مواطن هذا الخلل من جهة أخرى .
ويجب أن لايتم التسرع في تطبيق المقتضيات الجزائية ،لأن المواطن كما سبق ذكره لايلجأ إلى الإدارة صباح كل يوم بقصد توجيه إهانات أو دروس لموظفيها ،بل بقصد خدمة ضرورية ،وطريقة الأداء هي التي تشكل استفزازا للمواطن للتعبير عن احتجاجه على سلوك يراه غير عادل .
فالاحتجاج كما يرى بعض الفقه يكون ضد المدة الزمنية التي ستستغرقها إجراءات تصحيح خرق القانون لاضد من خرق القانون .
وفقهاء الشريعة يرفضون إعطاء ولي الأمر حصانة ضد السب والقذف إذا صدر من مظلوم ،لقوله تعالى ((.... لايحب الله  الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ،وكان الله سميعا عليما ....) )الاية 148الحزب 11 الجزء 6 سورة النساء .
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصرخ في وجهه سائل ينشد عدل الخليفة ورماه بما كان يحمل بيده قائلا له بأنهم يتركون الخليفة ولاياتونه إلاحين يكون منشغلا بأمور المسلمين ،بعدا راجع الخليفة نفسه وطلب من السائل أن يقتص لنفسه مما فعل به ........
هذا مثال نسوقه هنا للإستدلال على ان ولاة أمور المسلمين لم يكونوا يحيطون أنفسهم بأية حصانة قانونية ،ولو أثناء أدائهم لوظائفهم ،وكانوا يراجعون أنفسهم في اي قرار يرونه غير عادل ،ويعتبرون صاحب الحق الذي يسئ الأدب في عرض قضيته كالمريض الذي من الألم يسب طبيبه .
لذا يتعين التريث في مثل هذه الحالات من الاعتراض الشفوي والفوري بإعطاء فرصة للمتعرض والبحث في اسباب احتجاجه بكل موضوعية ودون تحيز ،وعند ذلك يمكن في آخر مرحلة تطبيق إجراء سحب الإحتجاج إذا لم يبق له محل ،واعتباره كان لم يكن ،كما هو الشأن في مسطرة المرافعات الشفوية التي تصدر عن الدفاع [10] إذا كانت تحمل سبا أو قدفا نتيجة حالة الانفعال ، فيتم تذكير الدفاع بسحب الاحتجاج الذي يحمل الجهر بالسوء وتستمر الإجراءات عادية دون فتح شكايات ضد مواطنين هم في حاجة إلى العناية والخدمة بدل التنكيل والاهانة ،كما ينص على ذلك الفصل 57 من الظهير الشريف رقم 378.58.1بتاريخ 3جمادى الولى 1378 ( 15نونبر 1958) بشان قانون الصحافة بالمغرب (( لاتقام أية دعوى بالقذف أو الشتم او السب ولانشر بيان صحيح صادر عن حسن نية حول المرافعات القضائية ولا الخطب الملقاة أو المكتوبات المدلى بها لدى المحاكم ،غير ان القضاة المحالة عليهم القضية والمخول إليهم البت في جوهرها يمكنهم أن يأمروا بحدف الخطب المتناولة للشتم أو السب أو القدف ،وان يحكموا على من يجب عليه الحكم باداء تعويضات ،ويمكن ايضا للقضاة أن يصدروا في نفس الحالات أوامر للمحامين أو ان يوقفوهم من وظائفهم إن دعا الأمر إلى ذلك .
ولايجوز ان تتعدى مدة التوقيف شهرا ، او ثلاثة اشهر فيما إذا تكررت المخالفة خلال السنة ،غير ان ما تضمنه القدف وكان خارجا عن صميم القضية يمكن ان يفتح مجالا إما لإقامة دعوى عمومية وإما لإقامة دعوى مدنية من لدن الفريقين إذا ما احتفظت لهم المحاكم بحق اقامة هذه الدعاوي ، وإما لإقامة دعوى مدنية من طرف الغير في جميع الأحوال .
وأشير ايضا إلى مانصت عليه المادة 341 من قانون المسطرة الجنائية القديم (( إن عبر بصفة علنية فرد او عدة أفراد من الحاضرين عن عواطفهم وأحدثوا تعكيرا او حرضوا على الضوضاء بوسيلة ما بقاعة الجلسات او باي محل آخر يباشر فيه علنيا تحقيق قضائي ،امر رئيس المحكمة بطردهم ،فإن امتنعوا او رجعوا امر بالقاء القبض عليهم وبنقلهم إلى السجن ،وينص في المحضر على الحادث وعلى امر الرئيس .
وتسلم نسخة من المحضر للمشرف رئيس السجن بمثابة حجة مبررة للإعتقال ،ولايمكن الطعن بأي وجه من وجوه الطعن في الأمر بالاعتقال الصادر بهذه الصفة من الرئيس.
ويبقى محدث الضوضاء تحت الاعتقال مدة اربع وعشرين ساعة ،بصرف النظر عن المتابعات المجراة إن إقتضى الحال طبقا للفصل 342ومايليه إلى الفصل 345.
فإحداث الضوضاء مسألة تقديرية تعود لرئيس الجلسة ،وأول إجراء يمكن اتخاده قانونا هو طرد محدثي الفوضى من الجلسة حتى تتم المناقشات عادية ، لأن مجلس القضاء يجب ان يحاط بالسكينة والهدوء حتى يتم الاستماع إلى دعاوى الأطراف الذين يجب عليهم عرض أقضيتهم بكل اعتدال ،إلا أن المشكل يثور حينما يكون محدثوا الفوضى هم اطراف الدعوى .
لذا فإن قانون المسطرة الجنائية الجديد قد لطف من السلطات الواسعة المعطاة لرئيس الهياة في مواجهة المحتجين ولم ينص على صلاحيته في الامر بإلقاء القبض وبنقل محدثي الضوضاء إلى السجن .
وهكذا تنص المادة 357 من الفرع السابع  من ق. م.ج.بعنوان إثارة الضوضاء في الجلسة والإخلال بنظامها ،وهو نفس الفصل 341من قانون المسطرة الجنائية القديم ((إذا عبر شخص أو عدة اشخاص من الحاضرين علانية عن مشاعرهم أو أحدثوا إضطربا أو حرضوا على الضوضاء بوسيلة ما بقاعة الجلسة او باي محل آخر يباشر فيه علنية تحقيق قضائي ،أمر رئيس الهياة بطردهم ،وذلك بقطع النظر عن المتابعات التي يتعرضون إليها عملا بمقتضيات المواد 359إلى 361 من هذا القانون .
وينص في المحضر على الحادث وعلى امر الرئيس .))
فالتعبير عن المشاعر بالجلسة ليس به ما يحدث الضوضاء ،إلا إذا كان مقرونا بإحداث اضطراب في السير العادي لها ،وبالتالي فإنحرف (أو ) علة ما اعتقد سقط سهوا بالفصل ،والصحيح هو ( واحدثوا اضطربا ) فغن كان كما سبقت الاشارة ،محدثوا الضوضاء من اطراف الدعوى فالمشرع لم يضع اي تمييز في الاجراءات بينهم وبين الغير ،والنتيجة التي تتخدها المحكمة بالنسبة لقضيتهم هي التاخير لجلسة أخرى يتم أستدعاؤهم لها .

2 ـ الاحتجاج الشفوي المؤجل :
قد يكون رد فعل المتعامل مع الادارة يتصف ببعض من الرزانة والتعامل الحضاري في اللجوء بعد حين من الزمن إلى الاحتجاج شفويا أمام جهات أخرى (السلطة الرئاسية للموظف المحتج ضده ).ويأخذ الأمر هنا شكل شكاية أو تبليغ عن حدث معين مثلا ،تقدم مواطن بشكاية شفوية على أنه تم إجباره على دفع رشوة او مقابل معين ،أو خلق عراقيل امامه لعدم الحصول على قرار او رخصة إدارية ، الأصل هنا أن يتم البحث فورا مع الموظف المشتكى به قصد حثه على اداء الخدمة
المطلوبة ، وإذا كان الامر يقتضي متابعة تأديبية أم جنائية ،من الافضل إحالة الأمر على الجهة المختصة لضمان الحياد ،وإن كان هذا النوع من الاحتجاج ليؤتي أكله في غالب الأوقات ،لتواطؤ بعض المسؤولين مع مرؤوسيهم ،ويبقى المواطن المشتكي ضحية المواقف السلبية الرامية الى غض الطرف عن الموظف المتعسف .
واحيانا أخرى يمكن توريط المواطن المشتكي في متابعة جنائية ،مادام أن حقه في تقديم شكاية ضد موظف رهين بإثباته لما يدعيه ،وإلا تمت مواجهته بمقتضيات الفصل 264 من القانون الجنائي [11].
فكيف يمكن الموازنة بين حق المواطن في تقديم شكوى ضد موظف بالادارة وبين ضمان حياد رؤساء المشتكي به ؟
لللخروج من هذه الصعوبة لابد من ايجاد هيأة خاصة تسند إليها مثل هذه المهام (مثلا كالنيابة الادارية المعمول بها في جمهورية مصر الشقيقة ) وذلك لضمان حقوق الطرفين ،المواطن والادارة ،ولايفوتي أن أشير هنا إلى مقتضيات المسطرة الجنائية المتعلقة بالاحالة من أجل تشكك مشروع بالفصلين 272و273،وإلى الاحالة من أجل مصلحة عامة الفصل 274.
فلضمان حياد القضاء نص المشرع على هذه الإجراءات واعطى الإختصاص للغرفة الجنائية للمجلس الأعلى في سحب الدعوى في حالة تشكك مشروع والاحالة من أجل مصلحة عامة .
ففي الحالة الأولى يحق للوكيل العام لدى المجلس الأعلى والنيابة العامة المرفوعة إليها الدعوى والمتهم او الطرف المدني أن يتقدم بعريضة الإحالة .
وفي الحالة الثانية يحق للوكيل العام للملك لدى المجلس الاعلى وحده التقدم بملتمس في حالتين :
1)    الإحالة من أجل السلامة العمومية
2)    الإحالة قصد تحقيق حسن سير العدالة .
وفي تجريح القضاة ،حدد المشرع حالاته وأعطى حق التجريح للمتهم والمسؤول المدني والمطالب بالحق المدني ،وجعل رفض الطلب بشأنه قابلا للطعن أمام المجلس الاعلى وأوجب أن تكون القرار معللا .
إلا أن الذي يمكن  الاستغراب منه هو أنه إلى جانب هذا الحق المنصوص عليه ،هناك جزاء ثان إلى جانب الرفض ،وهو ما تضمنته المادة 287من قانون المسطرة الجنائية ويتعلق بتعرض الطالب السيء النية إلى عقوبة إهانة القضاء ،مع ان  مسألة التجريح تتعلق بأمور يصعب إثباتها ،كالعداوة المشهورة مثلا أو الصداقة لأحد الأطراف وقد حاول المشروع في قانون المسطرة الجنائية الجديد أن يوضح هذا الغموض ويجعل من شروط ثبوت جريمة إهانة القضاء أن تكون طبيعية الوقائع المزعومة من شانها بشرف وسمعة القاضي [12] .
يبقى هنا انه يجب إثبات أن الطلب يقصد به المس بشرف وسمعة القاضي ، أو كما عبر عنه الفصل (من شأنه ) ،وهذه الحالة يصعب إثباتها وهذه الحالة يصعب إثباتها ،لكون حياد القاضي أو تحيزه لأحد الأطراف مسألة ذاتية وغير موضوعية ويستحيل إثباتها .
هذا وغن على القاضي الذي يتعرض لتجريح ، في نظري المتواضع ،من باب الانصاف والعدالة ،ولوكانت الوقائع غير صحيحة ، أن يقوم تلقائيا بالتنحي عن القضية ،ضمانا للحفاظ على سمعته وشره كقاض .
الاحتجاج الكتابي
يلجأ الأفراد أحيانا إلى التعبير عن إحتجاجهم بواسطة الكتابة ،إما مباشرة إلى السلطة الرئاسية أو عن طريق الجرائد والصحف ، فكيف أننا نجعل من وضع الإحتجاجات حالة غير قانونية (التبليغ عن جريمة خيالية أو إهانة الضابطة بالتبليغ عن الجريمة )مع ان الدستور والمواثيق الدولية تنص على ضمان حرية التعبير ؟
يسعى الحاكمون إلى حماية مساعديهم حين تقديم شكاوى ضدهم ،وذلك بتوجيه البحث ما أمكن ضد المحكوم الذي قدم اعتراضه فلنفترض أن مواطنا توجه بشكاية ضد أحد أعوان الدولة ،وجاء فيها أنه مرتش وأن المال الذي جمعه هو من حرام ،فالاجراءات التي ستتبع هي البحث أولا مع المواطن في جريمة المس بشرف وسمعة عون الدولة ، وأنى له أن يثبت ماجاء في شكايته ،فتنهال عليه مقتضيات الفصول 442و443و444 من القانون الجنائي المتعلقة بالقدف والسب والادعاء بواقعة تمس الشرف والاعتبار ،مع أن الاصل هو البحث مع عون الدولة المبلغ ضده ،مهما كانت رتبته ،للتأكد من إخلاصه لوطنه او العكس ،ومن كفاءته لتقلد ذلك المنصب .
ففي الدول المتقدمة يكون الإتجاه بالبحث دائما في مواجهة الموظف بالاحتجاج المقدم ضده ، ولا أدل على ذلك من قضية تفويت شقة (بباريس ) لفائدة أحد أبناء مسؤول من مستوى رفيع بالحكومة الفرنسية ،مما أدى إلى تقديم استقالته لكونه استغل منصبه ،وقضية اختلاس أموال شركــة
(ألف الفرنسية ) كل هذا يوضح الإتجاه الذي تسير عليه هذه الدولة التي تعطي لمواطنيها الحق في تتبع ومراقبة أعوان الدولة إلى جانب الهيآت المختصة بذلك .
وقد يستغرب المرء للتناقض بين نصوص القانون التي تضمن للمواطن حقه في اللجوء إلى الشرطة والقضاء وكافة الإدارات لتقديم شكواه ،بل أنشئت لهذا الغرض مؤسسات خاصة ، وبين مقتضيات الفصل 445من القانون الجنائي المتعلقة بالوشاية الكاذبة، العاملة بشكل قوي في حقل الدعاوى العمومية [13] .
فقد تكون الوشاية غير كاذبة إلا أن المبلغ تنقضه الأدلة الكافية لإثباتها ،فهل صدور قرار من المحكمة بالبراءة بعلة عدم كفاية الأدلة ،او حفظ الشكاية لعدم توفر أحد أركان المتابعة يجعل المبلغ في وضعية المخالف ؟
بقراءة سطحية للفصل المذكور فإن مجرد صدور حكم نهائي ببراءة المبلغ ضده أو إعفاءه أو عدم متابعة أو حفظ الشكاية يجعل المبلغ في خانة المخالفين لمقتضيات القانون الجنائي ويطبق عليه ماجاء بالفصل 445منه .
لكن ،إذا أخذت بعين الاعتبار النية الحقيقية التي تذهب إليها إدارة المبلغ ( المتعرض أو المحتج ) ،والتي تكون هي الباعث على التبليغ ،فإننا سنصل إلى نتيجة أخرى غير التي توحي بها القراءة السطحية للفصل المذكور .
وقد يلجأ المحتجون إلى نشر معاناتهم مع الادارة على النشرات والصحف وهنا تتدخل مقتضيات قانون الصحافة الجديد [14].
وهذه المعانات التي تنقل إلى الصحف تأخذ شكل خبر [15] ، يتحمل ناشره مسؤولية صحته ،ويلزم أن يكون مطابقا لمقتضيات الفقرة الاخيرة من الفصل الأول من قانون الصحافة التي تنص على مايلي (( تمارس هذه الحريات في إطار مبادئ الدستور وأحكام القانون وأخلاقيات المهنة ، وعلى وسائل الإعلام أن تنقل الأخبار بصدق وأمانة )).
كما أن المادة 4 من النظام الاساسي للصحفيين المهنيين [16] تنص على أن للصحفي الحق في الوصول إلى مصادر الخبر ، في إطار مهنته وفي حدود احترام القوانين الجاري بها العمل .
فإشاعة ثقافة الاحتجاج (حرية التعبير ) والتشجيع على توسيع مضامينها في كافة الميادين وجعلها حديثا لنظام الحسبة الذي عرفتة الأمة الاسلامية ،هذا النظام الذي جعلها خير أمة أخرجت للناس ،تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ،كل هذا سيخدم بالضرورة الحريات العامة والديمقراطية ببلادنا [17] .
إلا أن الحق في الوصول إلى مصادر الخبر مازال محاطا بأسوار عالية تحول دون ايصاله إلى المواطن ،فمقتضيات الوظيفة العمومية وكافة المهن التي لها علاقة بالمرافق العامة ملزمة بكتمان السر المهني [18] ،وكل إخلال به يعتبر مخالفة ويستوجب مساءلة تأديبية ،وقد تصل إلى مساءلة جنائية ،بغض النظر عن المطالبة بالتعويضات المدنية .
وهذا مانلمسه في العديد من الشكايات المقدمة ضد بعض الجرائد ( من طرف موظفي الدولة وأعوانها) التي تنشر فضائح عن التلاعب بالمال العام أو غيرها من المخالفات ،دون تمكنها من الحصول على مستندات تثبت ذلك ، لكون مصادرها لإستقاء الخبر موظفون ملزمون بكتمان السر المهني .
وقد يلجأ أحيانا لتقديم احتجاج على شكل غير مباشر ،كإستعمال عبارات (يشاع ويحكى وعلم من مصدر غير رسمي ...) أو على شكل لغز يشير إلى بعض خصوصيات المحتج ضده ،وذلك خشية الوقوع تحت طائلة المقتضيات الزجرية والدخول في معوقات تحول دون الغاية النبيلة من التعبير عن رفض حالة أو سلوك غير مشروع ،وللخروج من هذه الاشكالية التي تبيح حق التعبير وتحذره في نفس الوقت لابد من وضع معيار ملائم يضمن حق الإدارة وحتى الافراد.
فحق الاحتجاج أو الاعتراض أو الاختلاف أو النصح وتصحيح الخطا أو التعبير عن الراي يجب أن تكفله النصوص القانونية كفالة تامة ،لايشوبها أي غموض أو معوقات .
فمتى كانت هذه الحرية مؤمنة ومصونة ،ستكون نتائجها لفائدة الأمة ،شريطة أن لاتكون ضالة أو تقدح في أعراض الناس ،للتأكد من ذلك يجب الإنكباب على البحث في توفرها على شرطين ،كونها صادقة أم لا ، وكونها لاترمي إلى القدح في شرف وأعراض الناس أما وان اتجاه البحث يكون بمواجهة من يقوم بنشر الإحتجاج أولا ،دون التاكد من صحة مانشره يجعل الأمر غير سليم [19] .
وتحاول بعض الصحف في الآونة الأخيرة توسيع مجالها في حرية التعبير بالتطرق للمواضيع المنصوص عليها بالفصل 29و30و41و42 من قانون الصحافة الجديد المؤرخ في 03أكتوبر 2002وتعطي تفسيرا لمفهومها الجديد لحرية التعبير وعدم المس بحرية الآخرين [20] ،استنادا لكونها صاحبة رسالة نقل الحقائق للمواطنين وولاة الأمور وخير مثال عن السلف الصالح نسوق هنا الرسالة الموجهة من شيخ المغرب العلامة أبو علي اليوسي إلى السلطان مولاي إسماعيل ،فما تحمله من حقائق مؤلمة لم تعرضه لأية مسائلة جناائية ،لأنها تدخل ضمن واجباته ،إذ يقول ((..وكنا كثيرا مانرى سيدنا المتشوف إلى الموعظة والنصح والرغبة في استفتاح أبواب الربح والنجح ،فأردنا أن نرسل لسيدنا ما إن وفق للنهوض إليه رجونا له ربح الدنيا والآخرة والإرتقاء إلى الدرجات الفاخرة ...)).
ولو ان تعديل الذي طرأ على قانون الصحافة كان قد خفف من العقوبات الحبسية في المواضيع المشار إليها اعلاه ،فقد بقي محط إنتقاد من طرف المهنيين ، ويلاحظ كذلك أن مقتضيات الفصل 77من قانون الصحافة ،والتي عرفت عدة تعديلات متتالية من تاريخ 28مايو 1960و10أبريل 1973،قدجعلت قرار وزير الداخلية بالحجز لكل عدد من جريدة ونشرة ( حين اعتباره ان الجريدة او النشرة خالفت مقتضيات الفصل 41) قابلا للطعن امام المحكمة الادارية ،وحددت أجل 24ساعة للبت في
الطعن[21]  ،كما ألغت الصلاحيات التي كانت تعطى لوزير الداخلية بوقف الجريدة أو النشرة ،وكذا صلاحية الوزير الأول بمنعها [22] .
إلا أنه رغم نص القوانين الجديدة على ان قرار وزير الداخلية يجب ان يكون معللا ،فإنه يمكن ان نتسائل ما إذا كان تشدد بعض النيابات العامة في فرض شروط تعجيزية ،والمنصوص عليها بالفصل 05 من قانون الصحافة ،لايعد قرارا ضمنيا بمنع الجريدة أو النشرة يكون قابلا للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة أمام المحكمة الإدارية ويتعين البت فيه بالسرعة اللازمة التي يقتضيها الأمر ،مع ما يترتب عن ذلك من مسؤولية الموظف والمرفق العام عن الاضرار التي تلحق بحرية الأفراد ؟
إحتجاج الحاكمين فيما بينهم في علاقة الرؤساء بمرؤوسيهم
مادام ان الموظف يعتبر في حالة نظامية إزاء الإدارة فلا يمكن أن يصدر منه أي احتجاج في مواجهة رؤسائه ، وان عليه القيام بما هو مكلف به [23] .
ويستثنى في هذا المجال الحق للموظف في التعبير عن رأيه في إطار انتمائه النقابي ،لن المر هنا يكون احتجاجا عن وضعية تمس فئات عريضة من المواطنين ، ولاعلاقة لها بالعمل الإداري الروتيني.
وفي إطار مسؤولية الموظفين المكلفين بتسيير المصالح ،فإن هؤلاء لهم الصلاحية في الاحتجاج ضد مرؤوسيهم بطريقة حضارية ، كالنصح أو تصحيح العمل الاداري الذي قد يسبب ضررا او سحبه وتعديله بعمل إداري آخر ،او بتحرير تقرير يحال على إثره المرؤوس إلى المجلس التأديبي.
وهذه الصلاحية معطاة للمكلفين بتسيير مرفق عام ،وذلك لمسؤوليتهم عن أخطاء الموظفين التابعين لهم والذين يعملون تحت إشرافهم كما تنص على ذلك مقتضيات الفصل 17من الظهير بمثابة النظام الاساسي العام للوظيفة العمومية في الباب الثالث بشأن حقوق وواجبات الموظفين .
إلا ان مقتضيات الوظيفة العمومية المحددة لواجبات الموظف ليس بها ما يفيد اعطاء الحق للمرؤوس في الاعتراض أو الاحتجاج ضد رئيسه كيفما كانت الظروف ،والا سيكون مخالفا للسلطة الرئاسية ،ويسأل على ذلك حسبما يستفاد من مقتضيات الفصل 13 من قانون الوظيفة العمومية .
وللأسف ،فإن أغلب القضايا التي شهدها القضاء الجنائي المغربي ،خاصة في التلاعبات في الاموال العامة ،يتمسك المرؤوسون المتورطون بالمقتضيات القانونية للوظيفة العمومية التي تحرم عليهم مخالفة تعليمات رؤسائهم ،مع أن تلك التعليمات يجب أن تكون مطابقة للقانون ،وإن كانت غير ذلك فيتحرر المرؤوس من تنفيذها ،وتبعا لذلك من المسؤولية .
وفي إطار إصلاح الإدارة ، لم نلمس أي اتجاه يعطي الصلاحية لأي موظف في التبليغ عن المخالفات التي ترتكب من طرف رؤسائه ،كما أنه ليس في علمنا أي اجتهاد قضائي صادر عن المجلس العلى في هذا الاتجاه [24] ،وغالبا ما يقوم الموظف المرؤوس تحت عامل الخوف واعتبارات اخرى بتنفيذ التعليمات الرئاسية غير القانونية أو يتخذ موقفا سلبيا فتتم معاقبته بعقوبة إدارية مقنعة [25].
وهذه الوضعية التي تسود بدواليب الادارة المغربية هي التي جعلت أغلب العاملين يخنعون لها ويكون مقفهم سلبيا تجاه أية مخالفة للقانون.
الخاتـمة
وختاما فإن النصوص القانونية التي تم التطرق إليها سابقا ،وإن كانت موضوعة أصلا لحماية وصون ممارسة حق الاحتجاج لدى المواطن ،فإن بعض النيات السيئة تحاول اعطاء تفسيرات ترجح المقتضيات الجزائية على المقتضيات التي تبيح ممارسة هذا الحق [26]، بدعوى ان المواطن المغربي غير مهيأ للتعامل مع هذه الحريات (الممنوحة له الغرب ) مع ان الله تعالى يقول في كتابه الكريم ((كنتم خير امة اخرجت للناس ....)) شريطة تحقيق (( تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ...)) فنبينا الكريم صلوات الله عليه وسلامه يقول فيه الله تعالى ((وإنك لعلى خلق عظيم )) وقول عليه الصلاة والسلام ((بعثت لأتمم مكارم الاخلاق )).
فباحترام الغير ومعاملته بالاخلاق الكريمة فإن الادارة والقضاء على السواء ينهضان بتقدم البلاد .أما إذا كان الامر عكس ذلك وكان التعامل بجفاء وغلظة مع المواطنين فغن الامور لن تصير إلا إلى اسوء ،فالامام علي رضي الله عته ،في حكاية الفلاحين الذين اشتكوا وليهم ،فكتب إليه كتابا جاء فيه (( اما بعد ،فإن دهاقين أهل بلدك شكوا منك غلظة وقسوة واحتقار وجفوة ،ونظرت فلم أرهم أهلا لأن يدنوا لشركهم ولا ان يعصوا ويجفوا لعهدهم فالبس لهم جلبابا من اللين تشوبه بطرف من الشدة ،وداول لهم بين القسوة والرافة ، وأمزج لهم بين التقريب والإذناء ،والابعاد والاقصاء إن شاء الله )).
فب فع المعوقات التي تقوم أمام المواطنين والصحافة بالخصوص لنقل الاحتجاج ،ورفع التلويح بالمقتضيات الزجرية في حالة عدم ثبوت الوقائع ،يساهم ذلك في إشاعة ثقافة الاحتجاج ، وبالتالي في إصلاح الامور العامة والخاصة ،إذ ان كل عون من اعوان الدولة سيشعر بانه مراقب ،فالى جانب طرق المراقبة الرسمية ،هناك مراقبة شعبية يمارسها المواطنون بواسطة طرق احتجاجهم ،وتكون بالتالي حافزا لتعديل القوانين بما يتماشى والصالح العام ،وكذا سلوك الادارة .
محمد عنبر رئيس غرفة بمحكمة النقض
نائب رئيس نادي قضاة المغرب












[1]  عرفت المحكمة الأوربية لحقوق الانسان حرية التعبير (لايهم فقط الأخبار والافكار التي يمكن تلقيها بارتياح أو بصفتها غير مؤدية أو لامبالية بل أيضا تلك الافكار التي تؤدي وتصدم وتقلق ) عن أسبوعية الصحيفة العدد 101ـ 21/27 فبراير 2003.
2 جاء في إستجواب أجرته الأسبوعية ( الأيام ) مع الاستاذ عبد الرحيم برادة (( ...... في حين ان المغاربة في حاجة إلى رجال المطافئ ينقدونهم من النيران التي تطلقها عليهم الإدارة ،إن المغاربة يعانون مشاكل يومية لا تعد ولاتحصى في علاقاتهم اليومية مع الادارة ،بحيث ينبغي ان يوفر لهم القانون من يدافع عن حقوقهم في كل إدارة ،بل في كل مكتب من مكاتب الادارات لكي يحصلوا على حل لمشاكلهم على الفور وليس بعدة عدة شهور أو سنوات ،إنه يقع حل مشكل علاقة المغربي بإدارته إلا على اساس ثقافة جديدة ثورية تجعل منه صاحب السيادة بحيث تصبح الإدارة حقيقة خادمته وليس العكس .
[3]  الاحتجاج أو الاعتراض هو إحدى صور الإختلاف ،والذي عرفه الدكتور طه جابر العلواني في كتابه أدب الاختلاف في الاسلام ((... الإختلاف والمخالفة أن ينهج كل شخص طريقا مغايرا للآخر في حاله أو في قوله ،والخلاف أعم من الضد لأن كل ضدين مختلفين وليس كل مختلفين ضدين ،ولما كان الإختلاف بين الناس في القول قد يفضي إلى التنازع ،استعير ذلك للمنازعة والمجادلة ،قال تعالى (( فإختلف الأحزاب من بينهم ...)) سورة مريم 37(( ولايزالون مختلفين ..)) سورة هود 118 (( إنكم لفي قول مختلف )) الذاريات 8 ((إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون )) سورة يونس 93 وعلى هذا يمكن القول ان الخلاف والإختلاف يراد به مطلق المغايرة في القول أو الراي أو الحالة أو الهيأة او الموقف .
[4]  
[5]  بتاريخ 30مارس 2003 شهد قطاع الصحة بمدينة المحمدية وقفة إحتجاجية على عدم توفير الأمن الضروري لموظفي هذا القطاع الذين يتعرضون لتهديدات من المواطنين نتيجة سوء الخدمات الطبية التي تمنح إليهم ،كما عرف المعهد العالي للتسيير والتدبير بمدينة سطات وقفة إحتجاجية لطلبة واساتذة المعهد تضامنا مع إحدى الأستاذات الجامعيات التي تعرضت للإهانة من طرف أحد الأباء احتج على عدم قبول طلب إبنه المتعلق بالتسجيل لمتابعة الدراسة بالمعهد العالي المذكر.
[6]   جاء في مؤلف الدكتور محمود أبو زيد علم الاجتماع القانوني الأسس والاتجاهات ـ دار غريب للطباعة ـ فالظاهرة التي يحكمها القانون وهي في جوهرها الإدارة الانسانية مما لايمكن السيطرة عليها وإخضاعها بطريقة حاسمة ،ولعل أكبر شاهد على ذلك أن احكام القانون لاتحترم دائما ،وبلغ ذلك حدا دفع إلى القول بان القانون يلزم ولكنه لايحترم ،وذلك لأن إرادة الإنسان تعني بحسب طبيعتها القدرة على اختيار أي القدرة على القبول او الرفض .

[7]  عرف روكسو القانون بأنه (( علم الهندسة الاجتماعية الذي يتحقق من خلاله تنظيم العلاقات الانسانية في المجتمع المنظم سياسيا ،أو انه كما يعبر عنه في أحيان أخرى "الضبط الإجتماعي "عن طريق الإستخدام المنهجي المطرد لقوة المجتمع المنظم سياسيا )) نفس المرجع السابق .
[8]  قد حدث أن تقدمت مواطنتان بشكاية ضد أحد ضباط الشرطة القضائية وقاض بالنيابة العامة تتعلق بجريمة الرشوة ،فشاع الامر بين موظفي الشرطة والمحكمة وتولدت عنه حالة إستياء ،مما كان معه من الافضل إسناد مهمة البحث وضبط الجريمتين لجهة خارجة عن النفوذ الترابي للمتورطين حتى يكون هناك حياد تام .
[9]  في مرافعة النيابة العامة في الملف التلبسي عدد 3014/2002 بالمحكمة الابتدائية بالفداء درب السلطان أوضحت ضرورة تعديل الفصل 248 وكذا الفصل 264 من القانون الجنائي ،بإعفاء المواطن الذي أعطى مبالغ مالية كرشوة من العقاب إذا بادر إلى التبليغ عن الموظف المرتشي ،وذلك مهما كانت نتيجة تبليغه ،سواء ضبط الموظف أم لم يضبط ،فإن كانت النتيجة إيجابية فإن الدولة تكون قد تخلصت من موظف مرتشي ،وإن كانت سلبية فإنها تكون قد ربحت موظفا ومواطنا صالحا يساعد الإدارة على مراقبة رجالاتها .
[10]  قرار محكمة الاستئناف باكادير رقم 10480بالملف عدد 729/01،المؤرخ في 15/10/01، والمنشور بمجلة المحاكم المغربية العدد 91.
[11]  ينص الفصل 264 من القانون الجنائي ((يعتبر إهانة ويعاقب بهذه الصفة قيام احد الأشخاص بتبليغ السلطات العامة عن وقوع جريمة خيالية يعلم بعدم حدوثها أو بتقديم أدلة زائفة متعلقة بجريمة خيالية أو التصريح لدى السلطات القضائية بإرتكاب جريمة لم يرتكبها ولم يساهم في ارتكابها ))   وقد حدث أن تقدم شخص بشكاية شفوية ضد موظف بسلك الشرطة حول إخباره على تقديم رشوة ،فاتخد المسؤول موقفا سلبيا بعدم اتخاذ اي إجراء للتثبت من صحة شكاية المواطن ،فتم إخبار الموظف بفحوى الشكاية المقدمة ضده ،ولم يطلب منه التخلص من جسم الجريمة ، بل تم إرشاده لرد مبلغ الرشوة إلى المشتكي حتى يتم نصيب فخ له ومتابعة بجريمة التبليغ عن جريمة خيالية ،إلا أن المهمة لم تتم كما رسم لها .
[12]  ظهير شريف رقم 225.02.1صادر في 25رجب 1423 ( 03أكتوبر 2002) بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية ـ الجريدة الرسمية عدد 5078بتاريخ 30يناير 2003 ينص الفصل 285 (( يمكن الحكم على من خسر طلب التجريح بغرامة تتراوح بين 1200 و2500درهم بصرف النظر عن العقوبة التي قد يتعرض لها عند الاقتضاء من أجل إهانة القضاء إذا كان من طبيعة الوقائع المزعومة المس بشرف وسمعة القاضي .)).


[13]  ينص الفصل 445(( من أبلغ باية وسيلة كانت وشاية كاذبة ضد شخص او أكثر إلى الضباط القضائين أو إلى ضباط الشرطة القضائية أو الادارية أو إلى هيئات مختصة بإتخاذ إجراءات بشأنها أو تقديمها إلى السلطة المختصة ،وكذلك من أبلغ الوشاية إلى رؤساء المبلغ ضده أو أصحاب العمل الذين يعمل لديهم ،يعاقب بالحبس على ذلك ،بنشر حكمها كله أو بعضه في صحيفة أو أكثر على نفقة المحكوم عليه .وإذا كانت الوقائع بها تستوجب زجرا جزئيا أو إراديا  فغن المتابعة عن الوشاية الكاذبة ،تطبيقها لهذا النص ،ويمكن الشروع فيها ،إما عقب الحكم النهائي ببراءة المبلغ ضده أو إعفائه او عقب صدور أمر أو قرار بعدم متابعته أو عقب حفظ الشكاية بأمر من أحد رجال القضاء أو الموظف او رئيس المبلغ ضده أو مستخدمه المختص بالبت في الشكاية .
وعلى المحكمة التي ترفع الدعوى بمقتضى هذا الفصل ،ان تامر بقف نظر دعوى البلاغ الكاذب ،إذا كانت المتابعة عن الواقعة البلغ بها لازالت جارية .

 ظهير شريف رقم 207.02.1 صادر في 25من رجب 1423(3أكتوبر 2002)بتنفيذ القانون رقم 77.[14]
المغير والمتمم بموجبه الظهير الشريف رقم 378.58.1 الصادر في 03جمادى الأولى 1378( 15نوفمير 1958) بشأن قانون الصحافة والنشر ـ  الجريدةدد 5075 ـ 17ذي القعدة 1423 ( 20يناير 2003) 
[15]  جاء في مقدمة ابن خلدون ـ الجزء الأول ـ ص 39 ((...ولما كان الكذب متطرقا للخبر بطبيعته ،وله أسباب تقتضيه ،فمنها التشيعات للآراء والمذاهب ،فإن النفس إذا كانت على حال الاعتدال في قبول الخبر اعطته حقه في التمحيص والنظر حتى يتبين صدقه من كذبه ،وإذا خامرها تشيع لرأي أو نحلة قبلت ما يوافقها من الاخبار لأول وهلة وكان ذلك الميل والتشيع غطاء على عين بصيرتها عن الانتقاد يوافقها من الاخبار لأول وهلة وكان ذلك الميل والتشيع غطاء على عين بصيرتها عن الانتقاد والتمحيص ،فتقع في قبول الكذب ونقله . ومن الأسباب المقتضية للكذب في الاخبار أيضا الثقة بالناقلين ،وتمحيص ذلك يرجع إلى التعديل والتجريح ، ومنها الذهول عن المقاصد ، فكثير من الناقلين لايعرف القصد مما عاين أو سمع وينقل الخبر على ما في ظنه وتخمينه فيقع في الكذب ....))
[16]  ظهير شريف رقم 9.95.1 صادر في 22رمضان 1415( 22فبراير 1995) بتنفيذ القانون رقم 94.21 المتعلق بالنظام الاساسي للصحفيين المهنيين ـ الجريدة الرسمية عدد 4381بتاريخ 02/08/1995.

[17]  وهذا ما أكدت عليه الرسالة الملكية الموجهة إلى المناظرة الوطنية الأولى للإعلام المنعقدة بالرباط بتاريخ 29مارس 1993 إذ جاء فيها ((.... إن الاخبار اليوم حق من حقوق المواطن ،وبالتالي حق من حقوق المجتمعات ..لذلك على الادارة أن توسع انفتاحها على وسائل الاتصال بجميع مكوناته لتصبح مصدرا لاينضب من المعلومات التي تساعد رجل الاعلام ورجل الاتصال على القيام بجميع مكوناته لتصبح مصدرا تجعل المجتمع واعيا بجسامة المسؤولية مشاركا بفعالية في تفهم المشاكل وايجاد الحلول لها .....)).
[18]  ينص الفصل 18 من الظهير الشريف رقم 1.58.008بتاريخ 4شعبان 1377( 24فبراير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية في الباب الثالث المتعلق بحقوق وواجبات الموظفين (( بقطع النظر عن القواعد المقررة في القانون الجنائي فيما يخص السر المهني فإن كل موظف يكون ملزما بكتم سر المهنة في كل مايخص الاعمال والاخبار التي يعملها أثناء تأدية مهامه أو بمناسبة مزاولتها )).
 [19]  فالسلف الصالح سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يرى أن من حق أي فرد في الأمة ان يراقبه ويقوم اعوجاجه ،ولو بحد السيف إن هو حاد عن الطريق فقال (( ايها الناس من راى منكم في اعوجاج فليقومه ))،وكان يقول أحب الناس إلي من رفع إلي عيوبي ،وقال ايضا ((إني أخاف أن أخطئ فلا يردني أحد منكم تهيبا مني (كتاب فصل الخطاب في سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمؤلفه الدكتور على محمد محمد الصلابي ـ دار الإيمان للطبع والنشر والتوزيع ـ الإسكندرية .
[20]  وجاء بكتاب النوازل الصغرى المسماة المنح السامية في النوازل الفقهية ، للفقيه العلامة المحقق الفهامة أبي عبد الله سيدي محمد المهدي بن محمد بن الخضر الوازني الشريف العمراني الحسيني المتوفي عام 1342 هـ  الجزء الأول  ص 406 وكتب شيخ العرب أبو علي اليوسي رسالة للسلطان مولاي إسماعيل العلوي جاء في مقتطفها ((....فلينظر سيدنا ،فإن جباة مملكته قد جروا ذيول الظلم على الرعية ،فأكلوا اللحم وشربوا الدم وامتشوا العظم وامتصو المخ ولم يتركواللناس دينا ولا دنيا ،أما الدنيا فقد اخذوها ،واما الدين فقد فتنوهم عنه ،وهذا شيء شهدناه ،لاشيء ظنناه ....فعلى سيدنا أن يتفقد السواحل كلها من القليعة إلى ماسة ويحرضهم على الجهاد والحراسة بعد أن يحسن إليهم ويعفيهم مما يكلف به غيرهم ويترك لهم خيلهم وعدتهم ويزيدهم ما يحتاجون إليه ،فهم حماة بيضة الإسلام ونجدة في المضايق وغيرة على الاسلام واهله ،ولايولي فيها من همته ملء بطنه والاتكاء على اريكته والله الموفق .....
وأما المر الثالث فقد إختل ايضا ،لأن المنتصبين للإنتصاف بين الناس ،وهم العمال في البلدان وخدامهم ،هم المشتغلون بظلم الناس فكيف يزيل الظلم من يفعله ،ومن ذهب يشتكي سبقوه إلى الباب فزادوا عليه ،فلا يقدر أحد أن يشتكي ،فليتق الله سيدنا وليتق دعوة المظلوم ،فليس بينها وبين الله حجاب ،وليجهد في العدل....
[21]  ينص الفصل 77من ظهير شريف رقم  207.02.1المؤرخ في 25رجب 1423الموافق 15نوفمبر 1958على مايلي ((يجوز لوزير الداخلية بقرار معلل أن يامر بالحجز الإداري لكل عدد من جريدة أو نشرة دورية تمس النظام العام أو تتضمن الأفعال المنصوص عليها بالفصل 41أعلاه.
[22]  أثيرت ضجة إعلامية حين قيام الوزير الأول لحكومة التناوب بمنع جريدة لو جورنال من الصدور .
[23]  ينص الفصل 03 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية (( الموظف في حالة قانونية ونظامية إزاء الادارة )) كما ينص الفصل 13 بأنه (( يجب على الموظف في جميع الأحوال أن يحترم سلطة الدولة ويعمل على احترامها ،وينص الفصل 17 (( كل موظف كيفما كانت رتبته في السلك الاداري مسؤول عن القيام بالمهام التي عهد بها إليه ،كما ان الموظف المكلف بتسيير مصلحة من المصالح مسؤول امام رؤسائه عن السلطة المخولة لهذا الغرض وعن الأوامر الصادرة عنه ،ولا يبرأ في شيء من المسؤوليات الملقاة على عاتقه بسبب المسؤولية المنوطة بمرؤوسيه ، وكل هفوة يرتكبها الموظف في تأدية وظيفته أو عند مباشرتها تعرضه لعقوبة تأديبية زيادة إن إقتضى الحال عن العقوبات التي ينص عليها القانون الجنائي .
وعند متابعة  أحد الموظفين من طرف الغير بسبب هفوة ارتكبها في عمله يتعين على المجتمع العمومي أن يتحمل الغرامات المالية المحكوم بها عليه مدنيا .
[24]  صدر مؤخرا عن السيد وزير العدل السابق ( عمر عزيمان ) منشور بعدد 19بتاريخ 18ابريل 1998يحث السادة وكلاء الملك والوكلاء العاميين على عقد اجتماعات شهرية يهيئ فيها السادة نواب وكلاء الملك ونواب الوكلاء العاميين للملك تقارير عن سير الاشغال بالنيابات العامة للمحاكم ، إلا أنه للأسف الشديد ،تم اقبار ه في المهد لكون بعض التقارير جاءت عكس ما كان يتمناه بعض المسؤولين القضائين .
[25]  تقدم  احد القضاة لوزير العدل السابق ( باعتباره ينوب عن الملك في ترأس المجلس الاعلى للقضاء )بشكاية مكتوبة ضد احد المسؤولين القضائيين  حول قيام هذا الاخير بتوقيفه عن العمل وسحب كافة القضايا التي كان مكلفا بها لدة تفوق 4اشهر ،وكل ذلك خلافا لما ينص عليه النظام الاساسي لرجال القضاء ،فلم تتخد أي إجراءات ضد المسؤول القضائي رغم ثبوت مساسه باستقلال قاضي .
وقد ورد بكتاب الدكتور خميس السيد إسماعيل دعوى الالغاء ووقف تنفيذ القرار الاداري وقضاء التنفيذ واشكالاته امام مجلس الدولة مع المبادئ العامة للقضاء المستعجل  ـ الصفحة 23 على الهامش (( هنا ك كثير من الاحكام القضائية بخصوص عدم مشروعية القرارات الادارية المتضمنة جزءا تأديبيا مقنعا نذكر منها : حكم محكمة القضاء الاداري في 26يناير 1953 س 7 ص 371 بمناسبة النقل المكاني حيث تقول " ....إذا خرج النقل عن المحيط وتباعد عن الهدف القويم (صالح المرفق) ودلت الظروف والملابسات على انه ينطوي على عقوبة تاذيبية يصير في الواقع من الأمر جزءا لاينص عليه القانون ،ويكون والحالة هذه معيبا غير قائم على سبب صحيح وواقعة مخالفة للقانون ،وفي حكم آخر اشترطت نفس المحكمة في حكمها في 11فبراير 1953 س 7 ص 369 في موضوع النقل النوعي مايلي ((ألا يكون قرار النقل متضمنا جزءا آخر تأديبيا مقنعا ينضح بعدم الرضا والسخط عليه ويحمل في طياته تنزيلا من الوظيفة أو في الدرجة أو أي جزاء آخر مما لايجوز توقيعه على الموظف إلا لذنب اقترفه ،وبعد اتباع الاجراءات التي قد يستوجبها القانون وظروف الحال وملابساته ....)).
[26]  جاء في الكلمة التي القاها نقيب هيئة المحامين بالدار البيضاء ،الاستاذ عبد الله درميش ،بمناسبة الندوة العلمية المشتركة بين كلية الحقوق بالمحمدية وجمعية المحامين الشباب بالدار البيضاء بتاريخ 04/04/2002 ((...ولا شك أن تفكير حكومتنا في هذا الاتجاه كان ناتجا عن الرغبة في تقوية القانون والحد من قانون القوة ........)).