samedi 28 avril 2012

صلاحية رئيس النيابة العامة في تعديل العمل القضائي لمرؤوسيه (مقالة منشورة بجريدة الاتحاد الاشتراكي بتاريخ 9نوفمبر 2003 عدد7369)


في خضم النقاشات التي تعرفها الساحة الحقوقية هذه الايام حول التنزيل الصحيح للدستور فاتح يوليوز 2011حتى لايلتف عليه مناهضوا الاصلاح خاصة في منظومة العدالة المغربية ،أثيرت عدة مناقشات من ضمنها استقلالية قضاء النيابة العامة عن وزير العدل والمفهوم الجديد لهذه العلاقة والواضح ان الدستور قد حسم في هذه النقطة عندما نص على إستقلال السلطة القضائية عن باقي السلط وبالتالي لايمكن للقضاة النيابة العامة ان يبقوا تابعين لسلطة أخرى غير السلطة التابعين لها يعني انهم لن يتبعوا للسلطة التنفيذية في شخص عضوها وزير العدل ،وان السياسة الجنائية للحكومة تنقل من طرفه، ضمن الشخصيات التي تختار من الملك كعضو في المجلس الاعلى للسلطة القضائية وان نادي قضاة المغرب الجمعية المهنية للقضاة جعلت من بين  اهدافها ونضالاتها إستقلال قضاة النيابة العامة إستقلالا تاما عن وزير العدل  ،وكذا استقلال قضاة النيابة العامة على رؤسائهم وحدود هذه الاستقلالية وهل تمتد كذلك للتعليمات الكتابية التي يتحمل فيها مصدرها المسؤولية وحده وبالتالي تناقش هنا مسألة تدخل الدولة لتحمل تبعة الاخطاء التي يرتكبها الساهرون على مرفق النيابة العامة ،لذا إرتأيت إعادة نشر هذا الموضوع على صحفي الالكترونية للإفادة والنقاش والله ولي التوفيق .
مقـدمة :
النيابة العامة (كانت تعتبر قبل دستور 2011طبعا ) ذلك الجزء من الجهاز القضائي الذي تشرف عليه السلطة التنفيذية (باعتبارالتصور القديم أن القضاء جهاز وليس سلطة مستقلة عن باقي السلطتين ) قصد تحقيق سياسة الحكومة على ارض الواقع ،سواء فيما يتعلق بالمسائل الداخلية أو علاقات االدولة بالخارج .
ويشرف وزير العدل على هذا الجهاز بإعتباره رئيسا ،إذ يوجه تعليماته إلى الوكيل العام للملك لدى المجلس الاعلى (محكمة النقض حاليا )والوكلاء العامين لدى مختلف المحاكم ( المحكمة العسكرية ومحكمة العدل الخاصة ـ هذه الاخيرة الغيت ـ) ومحاكم الاستئناف بالمملكة ،ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية ،وهذا التسلسل الذي ينبني عليه عمل النيابة العامة ،يقتضي بالضرورة الانسجام التام والانصياع لتعليمات الرؤساء حتى تكون هناك بالفعل وحدة النيابة العامة التي هدفها هو تحقيق العدالة والطمانينة والاستقرار داخل
 المجتمع .
والإختلاف داخل هذه الوحدة المتماسكة غير مستبعد ،بل هو حالة صحية تؤكد مصداقية العمل القضائي الذي ينشد الفضيلة .فإذا كان تصريح الحكومة مثلا اعطى الأولوية لتخليق الحياة العامة وتحسين أداء الادارة فوزير العدل يوجه تعليماته بقصد تفعيل المقتضيات التي تنظم الوظيفة العمومية ،وعلاقة جهاز النيابة العامة وموظفيه  بالمواطن ،وإذا كان يريد محاربة الأمية فيوجه تعليماته قصد تفعيل مقتضيات إجبارية التعليم ،وإذا كان يريد إعادة الهيبة للقضاء يعطي تعليماته بالسهر على إعطاء الأولوية لتنفيذ الاحكام ،وإذا كان يريد التخفيف من الاكتظاظات داخل السجون يوجه تعليماته بتفعيل العقوبات المالية بدل العقوبات السالبة للحرية وهكذا ...
والفئة من رجال ونساء قضاء النيابة العامة ،والذين يشكلون جزءا من السلك القضائي ،ويشملهم النظام الاساسي لرجال القضاء المنصوص عليه بالظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.74.467الصادر بتاريخ 26شوال 1394الموافق 11 /11/1974 هم المعنيون والساهرون على تنفيذ العمليات الصادرة إليهم من رؤسائهم.
أهمية الموضوع  :
لاتخفى اهمية الموضوع مما تثيره حاليا حول استقلال قضاة النيابة العامة (تنزيل دستور 2011) ،وهذه الاهمية التي يطرحها ليست عندما تلقى التعليمات المعطاة إلى المرؤوس الاستجابة ،وإنما في حالة رفض الانصياع لهذه التعليمات ،ولن نخوض هنا في مسألة شرعية الأوامر من عدمها والتي حسم فيها المجلس الاعلى في عدة قراراته (والفصل 110 من الدستور الحالي  في فقرته الثانية ) " يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون ،كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها ."
فما هو موقف رؤساء النيابة العامة من التعليمات التي يوجهونها إلى مرؤوسيهم في حالة مخالفتهم ،وهل لهم الحق في إلغاء تلك الاعمال القضائية [1] المخالفة واستبدالها بأخرى تطابق وجهة نظرهم ؟
وقبل التطرق للجواب عن هذا السؤال لابد من الاشارة إلى الخصائص التي يتميز بها قضاة النيابة العامة ،وتجعله مخالفا لقضاء الحكم .
خصائص النيابة العامة
فالنيابة العامة الأصل فيها أنها تمثل المجتمع وسابقا (قبل دستور فاتح يوليوز) كانت تمثل السلطة التنفيذية المجسمة في وزير العدل الذي سبق القول بانه يوجد على رأس هرمها ،ومن هنا جاء نظام تدرجها الرئاسي وعدم قابليتها للتجزئة ، واستقلالها عن القضاء ،وكذا عن الطرف الضحية ،كما انها كطرف رئيسي ولازم في الدعوى الجنائية لذا تتميز بعدم قابليتها لتجريح .
فبينما قضاة الاحكام لايمكن ان يتلقوا اوامر من اي شخص كان ،ولا يفصلون برايهم إلا طبقا لضميرهم ،فإن قضاة النيابة العامة على العكس يتلقون الأوامر من رؤساءهم ويكون عليهم طاعتها .
فوزير العدل له ان يوجه أوامره للوكيل العام للملك بالمجلس الاعلى حسب مقتضيات المادة 607من قانون المسطرة الجنائية القديم والمادة558من ق.م.ج.الجديد ((تنقسم طلبات النقض لفائدة القانون إلى طلبات يرفعها تلقائيا الوكيل العام للملك بالمجلس الاعلى وإلى طلبات ترفع بامر من وزير العدل ))
نذكر منها على سبيل المثال أمر وزير العدل إلى الوكيل العام للملك بالمجلس الاعلى بتقديم طلب الطعن في القرارات التي يتجاوز فيها القضاة سلطاتهم حسب نص الفصل 382 من قانون المسطرة المدنية الذي جاء فيه ((يمكن لوزير العدل ان يامر الوكيل العام للملك لدى المجلس الاعلى بان يحيل على هذا المجلس بقصد إلغاء الاحكام التي يتجاوز فيها القضاة سلطاتهم ....))
علما بان النص لايشير إلى ما إذا كان أمر وزير العدل يشمل أحكام قضاة المجلس الاعلى أو لا ،وما دام ان الطعن الذي يباشر أمام المجلس الاعلى يكون لفائدة الدعوى وليس لفائدة الاطراف ،إذ انه محكمة لمخاصمة الاحكام فلا معنى للقول بشمول أمر وزير العدل لأحكام قضاة المجلس الاعلى (( لكن حاليا بإخراج الدستور الجديد واعتبار القضاء سلطة يتعين اعادة النظر في هذا الامر وفسح المجال لهذا الطعن في قرارات محكمة النقض إلى جانب الطعن باعادة النظر يكون هنا طعن خاص يتعلق بتجاوز قضاة محكمة النقض لسلطاتهم )).
كما يوجه وزير العدل تعليماته للوكيل العام للملك قصد تقديم طلبات الاحالة من اجل التشكك المشروع وطلبات الاحالة من اجل المن العمومي طبقا للفصل 384و385 من قانون المسطرة الجنائية القديم والمادتين 270و272 من قانون المسطرة الجنائية الجديدة .ولايمكن ان يحصل اي اختلاف في تنفيذ تعليمات وزير العدل مادام ان مسالة قبول طلب الاحالة أو رفضه تبقى من صلاحيات الغرفة المختصة بالمجلس الاعلى ،ولايعرف في العمل القضائي حسب معلوماتي أن سبق للوكيل العام للملك بالمجلس الاعلى ان رفض الاستجابة لأوامر وزير العدل مادام انها في سيلق القانون المعمول به [2]
والوكيل العام للملك لدى المجلس الاعلى له سلطة على المحامين العامين وكذا الوكلاء العاملين لدى محاكم الاستئناف ،ويستنتج من التدرج الرئاسي أن قضاة النيابة العامة ملزمون بطاعة رؤسائهم ،وإلا تعرضوا لمساءلة تأديبية من طرف المجلس الاعلى للقضاء الذي يراسه وزير العدل بصفته نائبا عن الملك .
إلاان التدرج الرئاسي هو رهين بامرين :
 أـ إن قضاة النيابة العامة لهم سلطة ذاتية يستمدونها مباشرة من القانون بتحريك الدعوى العمومية الفصل 34 من قانون المسطرة الجنائية القديم (( يعهد إلى النيابة العامة بإقامة الدعوى العمومية ومراقبتها ضمن الشروط المحددة في الفصول الآتية .
ولها ان تطالب بتطبيق القانون .
في حين ان المادة 36 من قانون المسطرة الجنائية الجديد لوحظ في هذا الفصل تقدما ملموسا إذ جعل إختصاصات النيابة العامة في الدعوى العمومية من ولايتها وممارستها، ولايعهد لها بها من اية جهة ،
((تتولى النيابة العامة إقامة وممارسة الدعوى العمومية ومراقبتها وتطالب بتطبيق القانون ،وله أثناء ممارسة الحق في تسخير القوة العمومية مباشرة )).
وهذا من غير رجوع قضاة النيابة العامة لرؤسائهم ،أو ضد أوامر هؤلاء ومع ذلك فالدعوى العمومية المقامة تبقى صحيحة ،وعلى العكس إذا رفضوا تحريك الدعوى العمومية في قضية معينة ،رغم الأوامر المعطاة لهم فلايمكن لرؤسائهم الحلول محلهم ،فالوكيل العام للملك إذا أعطى مثلا تعليماته بتحريك الدعوى العمومية ضد شخص معين ورفض المرؤوس (وكيل الملك ) تنفيذ ذلك فلا يستطيع الوكيل العام للملك أن يحل محله .
وعلى العكس إذا امر الوكيل العام للملك مرؤوسه بعدم تحريك الدعوى العمومية ضد شخص معين ،فيمكن للمرؤوس تحريكها واللجوء إلى المحكمة لتقول كلمتها [3]
ب ـ إنه داخل النيابة المحددة بذاتها يكون التدرج الرئاسي اهون واخف فإذا كان على المرؤوسين في قراراتهم المكتوبة ان يراعوا الأوامر التي صدرت إليهم ،ففي الجلسة العلنية يمكنهم أن يعبروا عن طلباتهم بكل حرية ومخالفة القرارات المكتوبة ،،وهذا ما يعبر عنه المثل التقليدي القائل ،إذا كان القلم مقيد ،فإن الكلام طليق .
وقد نصت على ذلك المادة 36 من قانون المسطرة الجنائية القديم (( يجب ان تكون ملتمسات النيابة العامة مكتوبة ومطابقة للتعليمات المعطاة لها ضمن الشروط المنصوص عليها بالفصل 48.
ولها ان تبسط بكل حرية الملاحظات الشفاهية التي تراها لازمة لفائدة العدالة .))
ومثل هذا الفصل جاءت به المسطرة الجنائية الجديدة في المادة 38 مع تعديل الصياغة التي لها دلالات خاصة لواضعي هذا القانون (( يجب على النيابة العامة ان تقدم ملتمسات كتابية ،طبقا للتعليمات التي تتلقاها ،ضمن الشروط المنصوص عليها بالمادة  51  ،وهي حرة في تقديم الملاحظات الشفاهية التي ترى أنها ضرورية لفائدة العادالة .))
الوجوب هنا موجه للمؤسسة وقضاة النيابة العامة بعد ان كان الامر موجه إلى كيفية تقديم الملتمس الكتابي ان يكون مطابق للتعليمات التي اصبحت تنتظر تلقيها بعد ان كانت هي التي تأتي إليها تلقائيا من الفوق ,وزادت المسطرة الجنائية في الشدة في تركيز قرار التعليمات حينما اخضعتها للمادة 51 التي تعطي لوزير العدل الاشراف على تنفيذ السياسة الجنائية .
إلى جانب التدرج الرئاسي فإن رجال النيابة العامة ،والذين ينتمون إلى نيابة عامة واحدة ،فذلك الذي يتصرف او يتكلم لايفعل ذلك بإسمه الشخصي وإنما باسم النيابة العامة كلها ،وهذا ما يعبر عنه بمبدأ عدم قابلية النيابة العامة لتجزئة ،فاعضاء النيابة العامة يمكن أن يحل بعضهم محل البعض الاخر في النطق بالحكم ،على خلاف قضاة الحكم الذين لا  يملكون الحلول محل بعضهم البعض أثناء المداولات الخاصة بالقضايا الجنائية ،والتي ينبني فيها الحكم على القناعة التي تكونت لدى القاضي أثناء المناقشة التيدارت أمامه ،وإلا كان الحكم باطلا .
ورغم أن تمثيل النيابة العامة في الجلسات الجنائية ضروري ،فإنه يمكن لعضو من النيابة العامة أن يتخلى عن الحضور لبعض الجلسات ويحضر عنه عضو آخر .
كما أنه لايمنع عضو النيابة العامة الذي يصبح قاضيا للحكم ،من ان يفصل في قضية لم يكن له تهييئها للمحاكمة أي دور مباشر أو غير مباشر .
وقد  ذهب القضاء الفرنسي على ان سبق قيام القاضي بعمل من اعمال الاتهام ،قبل ان يعين قاضيا للحكم امر لايحول دون ان ينظر هو القضية ،إذ لايسوغ أن يصبح قاضيا في خصومة كان هو طرفا فيها .
ولابد من الوقوف هنا ما يمكن إعتباره عملا من اعمال الاتهام ،وبعبارة أخرى ماهو الفرق بين ما يعتبر عملا قضائيا وما يعتبر عملا خارجا عن ذلك .
التفرقة بين الاعمال القضائية والاعمال الادارية للنيابة العامة  
فموظفو النيابة العامة حسب مقتضيات الفصل 276غير قابلين للتجريح ،وبعبارة  أو سع فالنيابة العامة غير قابلة للرد في القضايا التي تكون فيها طرفا رئيسا ،
لكن عضو النيابة العامة الذي ينتقل إلى قضاء الحكم هل يمكن رده في قضية سبق أن باشر فيها عملا قضائيا هذا ماذهب إليه الاجتهاد القضائي المذكور اعلاه .
فطبيعة عمل النيابة العامة يختلط فيها القضائي والاداري ،وقد اختلف الفقه في التمييز بين الاعمال التي تعتبر قضائية والاعمال الادارية وانتهى إلى كون اعمال النيابة اعمال قضائية ،وذلك إذا تعلقت بمباشرة الدعوى العمومية مثل القبض والتفتيش والمصادرة والاعتقال الاحتياطي وأوامر الحفظ وأوامر الاحالة على المحاكمة .
ولذا فإذا صدر قرار مامن جهة إدارية ،وإقتصر فيه دور النيابة العامة على مجرد مجرد التنفيذ ،فإن عمل النيابة العامة في هذه الحالة لايعد عملا قضائيا .
والذي يهمنا هنا في سرد هذا المعيار المتبع للتمييز بين الاعمال القضائية والاعمال الادارية هو استخلاص نتيجة ضرورية تتمثل في ان ما يمكن يمكن إعتباره سببا لرد القاضي الذي باشر عملا من اعمال المتابعة ،هو الذي لايمكن لرئيس النيابة العامة أن يعدله لأن المرؤوس استمد صلاحية مباشرته من القانون وليس من تعليمات رئيسه ،ولكونهةلم يصبح ملكا للنيابة العامة ،بل خرج من يدها واصبح في يد المحكمة التي لها كامل الصلاحية لإقراره أو الحكم ببطلانه ،فمثلا إن قيام المرؤوس بتحريك متابعة ضد شخص معين ضد التعليمات الصادرة إليه أو العكس عدم إجراء متابعة ،او رفع اليد على مسطرة لعدم الاختصاص نكلها تعد من الاعمال القضائية التي يمارسها المرؤوس بمقتضى القانون وليس بمقتضى توكيل من رئيسه .
علاقة رئيس النيابة العامة بالمرؤوس
فكيفية معالجة تصريف القضايا اليومية لدى كل نيابة عامة يسير حسب المفهوم والسلوك الذي يراه رئيسها بأنه الامثل للحصول على نتائج مرضية .
ومن بين هذه السلوكات والمفاهيم تلعب علاقة رئيس النيابة العامة [4]  بمرؤوسيه دورا هاما ،فالاساس الاول الذي يجب اعتماده هو الاحترام المتبادل في توجيه التعليمات ،ونبد مسألة الدونية التي يعطيها بعض الرؤساء لمرؤوسيهم والتي هي ناتجة عن المفهوم الخاطئ الذي تنبني عليه نظرتهم لتسيير النيابة العامة التي هم مكلفون بها .
فالمرؤوسون هم قضاة معينون بظهير شريف ،وان محاولة اخضاعهم للتعليمات يجب ان تكون وفق القانون وبطريقة الحوار المقنع ،لابطريقة الترهيب والترغيب .
وهذا الاشكال ناتج كما سبق عن العمل القضائي للمرؤوس هل يستمده من رئيسه الذي له تجربة
عليه ، أم من القانون ؟
فالقانون يعطي لرئيس النيابة العامة وكذا مرؤوسيه الحق في مباشرة الاعمال القضائية داخل دائرة نفوذ المحكمة المتواجدين بها ،إلا أن اتساع رقعة الدائرة وكثرة القضايا التي يستحيل على رئيس النيابة العامة مباشرتها شخصيا .فيتم ذلك عن طريق ما يسمى بتوزيع المهام على كافة المرؤوسين كل حسب اختصاصه ومكانته وهذا التوقيع مستمد من نصوص القوانين نذكر منها الفصول 34و35و 36 و37 وما بعده من قانون المسطرة الجنائية .
وأن هذا التوزيع للأشغال داخل النيابة العامة لايخضع لأحكام الوكالة كما يتصور أو يتصرف البعض على ان النواب هم مجرد تابعين لا يحق لهم اتخاذ المبادرة إلا بعد أخذ الموافقة من الرئيس ،وإلا سيعتبرون بمثابة موظفين ليست لهم صفة قضاة يتلقون ما يسمعون دون أدنى مناقشة .
وهذا سيؤدي إلى ان تذوب شخصية المرؤوس تماما في فضاء رئيس النيابة العامة ،وبالتالي لامجال للإحتفاظ بالنصوص المنظمة لمسؤولية النواب ، ولا كذلك نشرات التنقيط الخاصة بتقييم اعمالهم وبالمقابل يتعين إقرار المسؤولية ،التامة على الرئيس في اي عمل قضائي يباشر بدائرته ،بل الاكثر من ذلك يتعين توقيف عمل النيابة العامة في حالة حصول مانع قاهر لرئيسها ،إلى حين عودته إذا كان الامر مؤخوذا على أن النواب يستمدون سلطتهم من الرئيس لامن القانون مباشرة ،وهذا المنطق غير مستساغ قانونا ،وبالاحرى ان يتقبله قضاة النيابة العامة .
تفاعل المرؤوس مع تعليمات رئيس النيابة العامة
ويختلف تفاعل المرؤوس فيما يتعلق بالتعليمات الموجهة إليه من رئيسه حسب ما إذا كانت التعليمات كتابية أم شفوية .
فالتعليمات الكتابية تجعل المرؤوس حسب اعتبار البعض مثل الوسيط لاإرادة له في تغييرها لأن كامل المسؤولية يتحملها الرئيس في حالة وجود خطأ نتج عنه ضرر.
إلا انه إذا كانت غاية النيابة العامة هي الدفاع عن القانون وحماية حقوق وحريات الأفراد والجماعات ،فإن من واجب المرؤوس أن يتحلى بالشجاعة لتغيير التعليمات الكتابية غير القانونية وغير العادلة ، ويدافع عن موقفه امام اية جهة مختصة .
اما التعليمات الشفوية فلا تخرج عن امرين إما ان يتلقاها المرؤوس مباشرة من الرئيس المتواجد معه بنفس المحكمة أو عن طريق الاتصال بالهاتف .
في هذه الحالة تلعب تجربة وحنكة المسؤول في كيفية تمرير اشغال النيابة العامة التي هو مشرف عليها، ففي القضايا المعروضة يمكن ان يضع رفقة نوابه الخطوط العريضة لطريقة معالجتها حسب السياسة العامة التي تتبناها الحكومة مثلا التخفيف من الاعتقالات واستبدالها بالكفالات المالية في غير الجرائم الخطيرة أو تحديد سقف معين للجرائم المالية التي تتم المتابعة فيها في حالة اعتقال .
ويمكن ان تضمن هذه التعليمات الشفوية ،الناتجة عن مناقشة جماعية بين الرئيس أو المرؤوسين في محاضر للرجوع إليها عند الحاجة (حين وجود خلاف أو صعوبات عند التطبيق أو اضرار ) وهذا النوع من التعليمات لايمكن مخالفته أو الامتناع عن تنفيذه ،مادام ان امكانية التحفظ عليه يمكن إثارتها امام المسؤول .تبقى التعليمات لايمكن مخالفته أو الامتناع عن تنفيذه ،مادام أن إمكانية التحفظ عليه يمكن إثارتها امام المسؤول ،تبقى التعليمات الشفوية التي تخص بعض القضايا الخاصة والتي لها حساسية معينة ،سواء أمنية أو تهم   الراي المحلي أو العام ،ولم يسبق توقعها من طرف رئيس النيابة العامة فهذه لابد   للمرؤوس ان يستعين باستشارة رئيسه الذي له تجربة وخبرة وقد يكون على علم باشياء لايتأتى للمرؤوس معرفتها ،لأنه بعيد عن موقع الاتصال به .
فبمجرد ائتمان الرئيس وتقليده مسؤولية الاستشارة من طرف المرؤوس ،إلا وعليه ان يرشده ، وينبر له الطريق بتوضيح الظروف المحيطة بالقضية ليتم اتخاذ القرار المناسب الذي يمثل المجتمع ويسعى إلى تحقيق الفضيلة .
وفي حالة العكس عندما يكون رئيس النيابة العامة متبعا لهواه ،فإن امره يكون غير ملزم للمرؤوس ،ويتعين على هذا الاخير التحري في تطبيق القانون نوالدفاع عن موقفة امام اية مساءلة .
موقف رئيس النيابة العامة من مخالفة وجهة نظره
وموقف رئيس النيابة العامة ،حين مخالفة رأيه يتخذ عدة صور منها ماهي قانونية وأخرى غير شرعية ،إذ قد يتقبل القرار الذي إتخذه المرؤوس اعتبار ا ان الحق قديم ولا شيء يمنع من الرجوع إليه حسب رسالة سيدنا عمر رضي الله عنه ،او يصححه بطريق الاقناع الذي يمتثل له المرؤوس ويعدل عن القرار الذي اتخذه مادام أنه في طور التشاور .
وإما ان يلجأ إلى الوسائل المتاحة لديه قانونا بالتوجه إلى السلطات الرئاسية المهنية حسب ما تفرضه عليه سلطته الرئاسية ،وهنا يتحمل كل من رئيس النيابة العامة ومرؤوسه وزر عمله ،فيما إذا كان الامر مجرد خطأ في فهم القانون صعب على رئيس النيابة العامة توضيحية إلى المرؤوس ،أو عن خطأ جسيم ناتج عن سوء النية .
وقد يلجأ رئيس النيابة العامة إلى الوسائل غير ملموسة وغير قانونية في نفس الوقت ،إذ كان عدم إنصياع المرؤوس لتعليماته تم التماسه قبل اتخاذه لأي إجراء ،فيتم سحب القضية منه وإحالتها على مرؤوس آخر ،وبذلك يمارس الرئيس نوعا من الرد أو التجريح أو الاحالة من اجل التشكك في المرؤوس الرافض لوجهة نظره إستنادا إلى سبب عدم توافق وجهات النظر ،وهذه الحالة لم يسبق ان أقرها لا العمل القضائي ولا القانون .
أو بتنحيته عن القضايا التي تثير إشكالات ،والمعروف فيها موقف المرؤوس مسبقا ،وتكليفه بقضايا لايمكن أن ينتج عنها مستقبلا اي تعارض في تطبيق وجهات النظر بين الرئيس والمرؤوس .
تبقى الحالة الثانية التي يتخذ فيها المرؤوس قرارا كتابيا ملموسا ثابت النتاريخ مخالفا لوجهة نظر رئيسه ، فتخرج عن هذا المضمار المراسلات الادارية ،التي يحق للرئيس  تعديلها حسب الاسلوب الذي يراه مناسبا ،لكونها ليست أعمالا قضائية .
فالقرارات القضائية المتخذه مثلا أمر الشرطة بتفتيش أو حجز أو اجراء معاينة ،أو مثلا بإجراء متابعة ضد زيد وحفظها ضد عمرو وغيرها من الاعمال التي تتصف بالعمل القضائي للنيابة العامة .
هنا لابد من التمييز بين القضايا التي مازالت في طور البحث التمهيدي ،وتحت إشراف ومراقبة النيابة العامة وبين القضايا التي انتهى فيها البحث التمهيدي واتخذ فيها إجراء من اجراءات المتابعة .
فالأولى التي مازالت تحت إشراف ومراقبة النيابة العامة ،فليس هناك ما يمنع رئيس النيابة العامة من الامر بتعديلها بواسطة امر كتابي مع اتخاذ ما يلزم قانونا في حق المرؤوس الذي تصرف ضدا على التعليمات وذلك مشروط بوجود سوء النية كما سبق القول وطبعا تخرج هنا المسائل التي يعود امر تقديرها للمرؤوس مثل تقديم الاطراف امام النيابة العامة ،او عدم تقديمهم فكلها قرارات للرئيس تتعديلها ولو شفويا .
اما الاعمال القضائية الثانية والتي اتخذ فيها المرؤوس قرارا كتابيا يتعلق بإجراءات المتابعة ،كإحالة المتهمين في حالة اعتقال على الجلسة او العكس في حالة سراح  .فهي اعمال خرجت من اختصاص النيابة العامة وبالحرى صلاحية رئيسها ،واصبحت من اختصاص المحكمة التي لها صلاحية البت في صحة الاجراء الذي اتخذه المرؤوس ،وكل تعديل من طرف رئيس النيابة العامة يعد غصبا لاختصاص المحكمة ولو لم تتم إحالة الاجراء عليها ،هذا بالطبع إذاكان المرؤوس مازال متمسكا بموقفه ولم يتم اقناعه بالعدول عنه .
إن صلاحية رئيس   النيابة العامة ،هي محدودة فيما يخص تعديل عمل مرؤوسيه ،وذلك في المسائل التي لاتؤتر سلبا على البحث التمهيدي " كالميل لأحد الاطراف " أو غض الطرف عن بعض عناصر البحث للوصول إلى الحقيقة ، وتنعدم صلاحيته في اي تعديل حين يتخذ قرار من طرف المرؤوس يشكل بمثابة رفع اليد عن القضية وإحالتها على المحكمة كتحرير المتابعة أو ملتمس كتابي أو تقرير إستئنافي .
وقلما تطرقت الابحاث القانونية لهذه الاشكالية تأسيسا على أن رئيس النيابة العامة لايمكن أن يخطأ وان المرؤوسين هم من يتعرضون للأخطاء والمسؤولية في حين أن الرئيس لايسأل .
ختاما فإن كل من رئيس النيابة العامة والمرؤوس يسعيان في عملهما إلى إنشاد العدالة والفضيلة أولا والرقي بالعمل القضائي لجهاز النيابة العامة وجعله وسيلة من وسائل خدمة المجتمع ثانيا .
ولن يتأتى ذلك إلا بتفاهم الاطراف الفاعلة داخل الجهاز المذكور ،والذي يقوم اساسا على مجهودات المرؤوسين ،هم طوع أوامرهم وإن كان هناك خلل أو سوء سير أحد مرافق العدالة فيتحمل المشرف أعظم المسؤولية لأنه هو الذي يوجه التقارير السنوية عن المرؤوسين فإن كانت مغلوطة ولاتطابق الواقع فيتعين مسائلته عليها .
عبدربه : محمد عنبر رئيس غرفة بمحكمة النقض ونائب رئيس نادي قضاة المغرب .



[1]  ذكر ت الاعمال القضائية بين قوسين وذلك إما انها تكون مطابقة تمام المطابقة للقانون فتكون أعمالا قضائية صادرة عن قاضي النيابة العامة ،ولاتستوجب مخالفة التعليمات الرئاسية هنا اية مسؤولية .
أو تكون مخالفة للقانون وكذا التعليمات الرئاسية ،فلا تحمل هنا صفة العمل القضائي وتستوجب المسؤولية .
[2] نور هنا مقتطف من تقرير حول جهاز النيابة العامة الفلسطينية للمحامي محمود شاهين سلسلة التقارير القانونية 07 ((.... تشهد الحياة العامة العملية واقعا مختلفا لعلاقة وزير العدل بجهاز النيابة العامة يخرج عن النطاق الذي يرسمه القانون وهذا ما أكده النائب العام السابق فايز ابو رحمة الذي قدم إستقالته في نهاية أذار 1998، إجتجاجا على الوضع العام الذي يعاني منه جهاز النيابة العامة ، ويمكن لنا أن نستخلص بسهولة مستوى وطبيعة العلاقات القائمة بين وزير العدل ورئاسة النيابة العامة من عبارات النائب العام بعد قبوله استقالته حيث قال : ((....بدات العمل في النيابة العامة وسط منغصات وعقبات وضعها أمامي وزير العدل ...لمست ان وزير العدل يريد أن يحرمني حقي في الحديث وصلاحيتي حيث كلف اثنين من المساعدين لي بالتوقيع على قرارات ومحاضر النيابة العامة وطلب مني ان يكون المساعدان ضمن من يكون لهم صلاحية التوقيع ،فقمت مباشرة بتجميد نشاطهما بالكامل ولم يوقعا على أي ورقة منذ توليت هذا المنصب وختى تركه ، وأضاف ان وزير العدل اتصل بوزير المالية وطلب منه عدم إمدادالنيابة العامة بأي أموال لدفع الايجارات وثمن الاثاث ، مما يتنافى مع عمله الاساسي وهو خدمة المرفق القضائي ، ثم قام بسحب اثنين من العاملات معي ( السكرتيرة والطابعة وافذن الذي يخدم في مقر النيابة العامة ثم سحب واحد من الحارسين الاثنين اللذين يعملان معي ونقله إلى منطقة الشجاعية ،وعندما حاولت أن اعوض هذا النقص واتصلت بقائد المنطقة الشمالية محافظ الشمال حيث عين في مكتبي طابعة وبديلا للحارس قام وزير العدل بشن حملة شعواء عليه وأجبره على سحب الاثنين ... لقد قدمت المذكرة تلو المذكرة والشكوى واستمر الازعاج وعرقلة العمل فقررت ان الاستقالة هي افضل وسيلة حفاظا على مصالح الناس بالدرجة الأولى )).
واضح من أقوال النائب العام السابق أنه كانت هناك إجراءات ومحاولات من وزير العدل تستهدف إنتزاعا فعليا لبعض اختصاصاته وفرض االسيطرة عليه ،وهو امر يهدر استقلال السلطة القضائية .
وفي الآونة الأخيرة لوحظ سيل من الكتابات توجه إلى قضاة النيابة العامة تحت عنوان ((تنبيه)) والتي تمس باستقلالهم ،والذين لم تعط لهم فرصة الدفاع ،وتوضيح وجهة نظرهم ،فتم اعتماد كتابات سرية من الرؤساء التي قد تكون مبنية على اسباب غير حقيقية .
الشيء الذي يفيد أن هناك خلطا لدى طاقم وزير العدل بين سلطته الرئاسية المتمثلة في إصدار الوامر لقضاة النيابةالعامة ،والسلطة التأذيبية التي يعود الاختصاص فيها للمجلس الاعلى للقضاء وقد يقال أن تلك الكتابات تم اتخاذها في إطار الفصل 60من النظام الاساسي لرجال القضاء وذلك أنها عقوبة تتخذ من وزير العدل بعد إستشارة المجلس الاعلى للقضاء إلا انه ان حق الدفاع للمعنيين بالأمر لم يحترم وان مهام القضاة هي اسمى من اللجوء إلى المحاكم الادارية للطعن في تلك الكتابات المنعدمة الأساس الشيء الذي يدفع إلى التفكير في تامين قضاة النيابة العامة وقضاة الحكم ضد النفوذ السياسي وأهوائه .

[3]  يبقى هنا للسلطة الرئاسية في حالة عدم الانصياع إليها أن تلجا إلى أعلى سلطة الوكيل العام للملك بالمجلس الاعلى أو وزير العدل ،إلا ان الذي يمكن أن يفصل نهائيا في الامر هو المجلس الاعلى للقضاء الذي يعتبر محكمة القضاة ،وقد شهد العمل القضائي مثل هذه الحوادث إبان الحملة التطهيرية التي عرفها المغرب سنة 1995.
[4]  حكم محكمة القضاء الاداري في القضية 751لسنة 8 ق المجموعة السنة 9 ص 302 المنشور بمؤلف الدكتور سامي جمال الدين ( الرقابة على اعمال الادارة ) ص 237 .
(( المقصود برئيس النيابة العامة هنا كل مسؤول على المحكمة سواء على مستوى أول درجة أو محاكم الاستئناف .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire