mardi 26 février 2013

التعليق الكامل على مسودة قانون الهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الفساد


مقدمــة :
لابد من الاشارة إلى عنصرين هامين أولهما:
1.   ان الفساد  إستشرى في دواليب الدولة حتى اصبح يشكل مؤسسة تضاهي في قوتها مؤسسات الدولة إن لم نقل انها تفوقها، وان العناصر التي ساهمت في وضع البلاد في هذا المأزق لم تبرح مكانها، وبالتالي فهي تتصدى لكل عمل جاد في التغيير والاصلاح وتبخسه بإتخاد مواقف البهرجة والإستهزاء حينا ،وإقصائية تارة اخرى وخلق العراقيل في المسار المهني لكل من يقف ضدها ،لتـني من يهدد مراكزها عن المضي في طريقه حتى يصاب بالاحباط والفشل ،كما انها اصبحت تعبر عن خوفها في كل المجالات حتى مجال تنزيل المؤسسات الذي نص عليها الدستور وتحاول ان تفرغها من محتواها بخلقها لعددة مبررات  منها عدم المسائلة والمحاسبة والاعفاء وكما يقال في المثل الشعبي المغربي (( لامشا الجدام يبقى سرواله ... او جيوبه )) ونحن الآن نعاني  من جيوب مقاومة الاصلاح الذين يختفون في جيوبهم، ويتلونون بلون الاصلاح لكن هم مع استمرار الفساد وعدم المسائلة ،وجاء في الذكر الحكيم سورة البقرة الآية 10((...وإذا قيل لهم لاتفسدوا في الارض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لايشعرون ....))صدق الله العظيم .
2.   العنصر الثاني هو الظروف التي ساهمت في تغيير الجو العام للحقوق والحريات إنها بالفعل كانت شمولية لكل الاوطان التي تعاني من نفس الوضع الذي وضعته فيه عناصر الفساد والإفساد ،ومختلفة ومحلية في طريقة المعالجة من وطن لآخر ،وهكذا فرضت الانتخابات الجديدة التي اجريت بعيد إقرار الدستور الجديد أغلبية غير مريحة للحزب الذي فاز، مما فرض عليه تكثلات وتنازلات عن برنامجه الذي اسس عليه حملته الانتخابية و منهجه في الحكم ،وما إن بدا يعرب عن حسن نيته ومساره في الاصلاح إلا وقفت في وجه التحالفات التي شكلها مع باقي الاحزاب فتراجع عما كان يؤسسه  له،وهذا ملاحظ من عدةإجراءات بدء فيها لكنها أحبطت أذكر منها على سبيل المثال (( قرار فضح الريع الاقتصادي لذوي النفوذ في البلاد وقف عند حد فضح الرخص التي منحت لأشخاص لاسلطة لهم ولانفوذ  ،برنامج إصلاح الاعلام العمومي ،برنامج إصلاح الادارة المركزية لوزارة العدل وباقي القطاعات كلها اوراش تمس بعض مكونات التحالف الحكومي ولايمكن المضي فيها دون خلق أزمة حكومية لذا كانت جمعية نادي القضاة تنادي منذ نشأتها بفصل السلطة التنفيذية عن السلطة القضائية لتأسيس لقضاء قوي قادر على الاصلاح ومواجهة كافة التحالفات مادام ان قاطرة الاصلاح المجتمعي والتنموي يجب ان تكون على راسها السلطة القضائية وكل زعم للإصلاح المجتمعي بدون قيادة القضاة هو مجرد هدم لأسس وكيان الدولة لأن اساس الملك هو القضاء وليس الفروع الأخرى  المكونة للإدارة والتشريع هي التي يمكنها ان تصلح لأن اصل الفساد نابع منهالإجهاضها  لأهم مكونات السلطة القضائية وهو استقلاليتها  ، فالقضاء منذ بدأ الزمن هو الذي يشكل الخليفة لله في الارض فهو جزء من النبوة ويشكل ثلثها كما يشهد بذلك علمائنا الاجلاء، وان التصور الذي يعطى له هو ينعكس على الواقع وهكذا فالمشرع الدستوري وضع السلطة القضائية في المرتبة الاخيرة مع انها يجب ان تكون في الطليعة بعد المؤسسة الملكية فالقاضي هو الذي يصلح السياسي وليس السياسي من يصلح القاضي لأن  الإدعاء عكس ذلك هو وهم وعبث ليس إلا،والسلطة القضائية ما يهمها هو حماية الحقوق والحريات والمال العام في مواجهة الكل وتحقيق العدل،وليست لها مصالح ضيقة فئوية .
وان التصور الفلسفي للإصلاح الاقتصادي والاداري والسياسي جاء به  الدستور المغربي لفاتح يوليوز 2011 في فصله 36 في فقرته الاخيرة ((....تحدث هيئة وطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها )).
بعد  دسترة عقوبة بعض الافعال التي عددها بنفس الفصل ،ونستغرب لهذا التوجه الذي سلكه واضعوا الدستور بتجريم بعض الافعال المتعلقة بممارسة السلطة وبالنشاط الاقتصادي ،لابد ان هناك هاجس كان يخامرالمشرع الدستوري حين وضع هذا المقتضى مع ان القانون العادي هو الذي كان عليه ان يتولى ذلك ،ويكفي ان يتم النص بالفصل مثلا (( تحدث هيئة وطنية ........... وسيحدد القانون تشكيلها وإختصاصاتها )) لكن تجربة الهيئة السابقة جعلت المشرع يتخوف من الفساد الذي بدا يتنامى بشكل كبير إلى ان اصبحت قوته توازي إن لم نقل تفوق قوة مؤسسات الدولة و عجزت الهيئة حتى مواكبة طرق الوقاية منه ،وبالأحرى تقديم  الابحاث والتقارير إلى المحاكم ومحاسبة المسؤولين عن تلك الافعال التي اصبحت معاقب عليها بمقتضى الدستور .
وهذه التحديات كلها جعلت الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة ان تتقدم بمسودة لمشروع قانون يتعلق بتنزيل مقتضيات الفصلين 36 و167 من الدستور يتضمن 59مادة .إلا انها جاءت محتشمة تساير توجه الحكومة ـ التي فرض عليها الدستور الحصول على اغلبية غير مريحة ـ الرامي إلى القيام بتحالفات للحصول على اغلبية للحكم وذلك مقابل تنازلات وعلى رأسها الاعفاء من المسائلة ،وهكذا طبع مشروع المسودة المذكور بطابع الاعفاء ،ووقف موقف المتفرج او المصور للأحداث دون التدخل لمعالجتها ،وسيتضح ذلك مما سنسوقه في دراسة تأصيلية لمواد هذه المسودة .
الاحكام العامة
وقد تضمنت الاحكام العامة مادتين الأولى منها تحدد تعريفا لمجال هذا القانون(المسودة ) و المقومات الاساسية  للهيئة من تأليف وصلاحيات وتنظيم وقواعد السير والتسمية للهيئة ،ويبدو من إضافة عبارة ((.... تتمتع بكامل الاهلية القانونية ..)) ان واضعي المشروع ليسوا متخصصين في مجال القانون ،وكذا في تحديد مواضيع العبارات القانونية وكان يكفي ذكر عبارة (( هيئة مستقلة إداريا وماليا )) لأن كمال الاهلية تعني الاشخاص قبل المؤسسات وترتبط بالزمن والمؤسسة هي مؤسسة دستورية لايمكن ان ننعتها بأنها ناقصة الاهلية في زمن ما، لأنه ليس هناك ما يحد من تدخلها واهليتها غير القانون المنظم لها ،ونقصان الاهلية او بالاحرى إنعدامها يخص المؤسسات التي توضع في وضعية الصعوبات أو التي يتم الحجز على اموالها أو حلها نهائيا بمقتضى الاتفاق بين المؤسسين أو بمقتضى حكم  او القانون حتى نقول أنها اصبحت منعدمة الاهلية أو يصدر قانون(أعني تعديل دستوري لأن مجالها الوظيفي محدد بالدستور )  ينزع للهيئة صلاحياتها الدستورية أو ينتقص منها .
المادة الثانية من المسودة تحدد مجال إختصاص الهيئة والذي وصفته (بالتدخل) والذي هو  المجال المحدد في الفصل 36 من الدستور، إلا انه خصصت مجال المخالفات والانحرافات بالرجوع إلى القوانين الخاصة مع ان العقوبات التي حددها الدستور والصريحة هي أعم واشمل من إعادة التذكير بقوانين الجنائية الخاصة التي قد تخضع لتعديلات حسب المتغيرات التي لن تتجاوز النص الدستوري او تخالفه ،لأن تلك الافعال لن تخرج كما تم سرده على النشاطات الاقتصادية وممارسة السلطة العامة  .
وكان حري إستبدال عبارة التدخل (عبارة تستعمل في مجال امني)بعبارة حقوقية كما جاء بالباب الأول (إختصاص )(( يحدد إختصاص الهيئة ....) فهذه العبارة (أعني التدخل) ليست هي التي تعطي القوة للهيئة كما يتعين الاستغناء عن التذكير بنصوص القوانين الجنائية الخاصة وتستبدل الفقرة الثانية بالانكباب على تعريف معنى النزاهة والمحاربة اللذين يشكلان عنصرا مهما في تشكيل هذه الهيئة الجديدة بمنظور فلسفي يقارب للمسائلة وعدم الافلات من العقاب .
الباب الأول : إختصاصات الهيئة الوطنية
الفصل الأول: تدعيم النزاهة والوقاية من الفساد
وهكذا جاء الباب الاول للمسودة المحددة لإختصاص الهيئة في فصله الأول تحت عنوان (تدعيم النزاهة والوقاية من الفساد )ينم على إرتباك شديد لدى واضعيه بإستعمال عبارات في مجموع 11مادة المكونة للفصل المحدد للإختصاصات  (الاشراف، تتولى ،تقترح ، ترفع ، تصدر ،توصي ،تبدي الراي ،تؤهل ،تضطلع، تؤازر ،تساهم ،تتبع ،تقيم ،تقدم تشجع تنجز ) مع انها كلها لاتخرج عن الاستشارة فكان الافضل إستعمال عنوان للفصل ـ الاختصاص الاستشاري للهيئة ـ والاقتصار على عبارة واحدة او عبارتين الاولى تفيذ إبداء الراي والثانية الوقاية من الفساد حتى تعطى قوة تشريعية في ذهن المتلقي من الحقوقين قبل الانسان العادي ،في حين ان هذا التبدب في العبارات ينم على  تشعب وضعف وغموض في تحديد مجال العمل .
هذا من حيث الصياغة في حين انه في الموضوع  يطرح تساؤل كيف ستشرف الهيئة على الوقاية من الفساد ثم محاربته والتنسيق بين سياسات الوقاية منه ؟
يكمن ذلك اولا في جمع المعطيات وإبدا الاستشارات وتتبع تنفيذ تلك السياسات في مجال محاربةالفساد وتركيز هذا العمل الاستشاري هو احسن من تشعبه مادام انه يشمل مجالات الدولة كلها وتشكيلة الهيئة قد تكون ضعيفة على إستعاب كافة هذه العمليات ومواكبتها ،
مما ينذر بفشل مهمة هذه الهيئة مسبقا ،واعطي مثال بسيط على ذلك في مجال تفعيل آليات التبليغ عن الفساد هو مطلب حقوقي مهم لكن يجب الاعتماد اولا على مبادرة الهيئة في جمع المعلومات وإتخاذ المبادرة لتحريك للبحث والتقصي تلقائيا (كما حدد بالفصل 167من الدستور(مهام المبادرة ) وبإعتماد ما يكتب ويعلن بالصحف وكذا بإعتماد الشكايات المجهولة فلابد من النص على صلاحية الهيئة في مباشرة الابحاث تلقائيا ولو لمجرد الاطلاع على معلومات مجهولة المصدر كما يتعين ان تحدد في برنامجها السنوي الابحاث والتحريات التلقائية التي ستقوم بها لمجموعة من المؤسسات العامة والخاصة الاكثر تعرضا للآفة الفساد  .
الهيئة الوطنية تفتح يدها امام السلطات العمومية متجاهلة السلطة القضائية التي تعتبر هي الآلية الفاعلة التي ستجعلها بالفعل مؤهلة لمحاربة آفة الفساد ،وأن التغاضي عن السلطة القضائية المستقلة هو بالفعل يمس بإستقلالية الهيئة ويجعلها تدخل حقل التأثير من طرف السلطتين التنفيذية والتشريعية ،مع ان الهيئة المفروض فيها انها هيئة شبه قضائية تمهد للأبحاث والتحريات لترفع إلى القضاء تطبيقا لمبدأ المحاكمة العادلة المتمثل في فصل جهة البحث عن جهة الاتهام ،وتمهيدا للمحاسبة وعدم الافلات من العقاب .مما اقترح ان تكون المادة 8 بهذه الصيغة (تطور الهيئة علاقاتها مع السلطة القضائية(بما في ذلك الشرطة القضائية [i]) في مجال البحث والتحري حول المخالفات التي تدخل في إختصاصها و التعاون والشراكة مع السلطات العمومية والمؤسسات العامة والخاصة والجمعيات المهنية والمجتمع المدني في مجال النهوض بالنزاهة والوقاية من الفساد ومحاربته .)) عبارة مكافحة تنم على وضع الهيئة انها في مجال المكافحة ضد خصم اقوى منها مما يعطي إنطباع ان غول الفساد هو متجاوز لقوة المؤسسات العامة وان هذه العبارة تستعمل فقط لمصالح تابعة للأجهزة فرعية تابعة للدولة في حين ان الهيئة هي مؤسسة دستورية يجب ان توفرلها  وتتضافر جهود الجميع لمؤازتها حتى تنجح في مهمتها الموكولة لها وإحترام العبارة التي جاءت بالدستور (ومحاربتها ) ويمكن لها ان تؤسس لخلايا مكافحة بعض المخالفات التي تدخل في ضمن اختصاصها مثلا خلية مكافحة المخالفات المالية بالبورصة او خلية مكافحة عدم نزاهة الانتخابات او خلية مكافحة عدم نزاهة الصفقات العمومية وهكذا تكون كلها تابعةوفروع لهيئة محاربة الفساد.
كما أن إستعمال بعض المصطلحات تؤكد فعلا ضعف الصياغةالقانونية  لدى واضعي المسودة  فالمادة 9 (( .....مؤازرة السلطات المعنية ...))المؤزارة تعطى معنى واقعي تنفيذي (أمني ) اكثر منه حقوقي مع انه كان الاحسن إستعمال عبارة ((التنسيق معها في حدود إختصاصاتها  عند التفاوض بشأن مشاريع الاتفاقيات الدولية .))دون عبارة ((ذات الصلة )) لأن الامر مقيد سلفا بعبارة ((في حدود الاختصاص )).
باقي الفقرات تتبع بعبارة ((التنسيق)) بدل المساهمة حتى تكون الفقرات منسجمة وموحدة في عبارة واحدة .
وتضاف عبارة السلطة القضائية والشرطة القضائية لباقي الفقرات بدل الاقتصار على السلطات المعنية او السلطات العمومية وتحدف عبارة ذات الصلة في الفقرات الاخرى لأن الامر تحصيل حاصل فالهيئة لن تقوم بالتنسيق خارج حدود إختصاصاتها .
ويمكن تعديل المادة 10 وحدف عبارة تتولى واستبدالها بعبارة ((تتبع الهيئة الوطنية تنفيذ وتقيم سياسات محاربة الفساد وليس مكافحته كما سبق وان اشير إليه اعلاه ،كما يمكن متابعةذلك بعبارة ((على الشكل التالي :...)) بدل عبارة (( ولهذه الغاية ،يناط بها على الخصوص ))، وباقي الفقرات يمكن صياغتها على الشكل التالي
  ((ـ  تتبع الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الفساد ومحاربته ،
    ـ تقييم مقترحات ومشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية وإبداء وجهة نظرها في القوانين وإقتراح تعديلها على السلطة التشريعية ((لأن مهمتها الاستشارية تعني تدخلها في إبداء رايها قبل المصادقة على القوانين .
ـ ..........))
أما المادة 11والتي تلمس لأول مرة المهام الأساسية للهيئة ،والتي من اجلها يمكن ان تقوم بعمليات البحث والتحري والتدقيق ،لكن ليس فقط لأجل التتبع والتقييم لكون مهام الهيئة هي شبه قضائية .
و كذلك لتهيئ ملف البحث لتقديمة للجهة المختصة قضائيا للبت فيه، فالقضاء هو من له صلاحية الاعفاء او المسائلة ولايملك هذا الحق إلا من له حق العفو الخاص والعام بعد ان يصدر القضاء قراره النهائي، ويجب ان تنص على حق المبادرة للهيئة والتلقائية وبالتالي يمكن إستبدال صياغة هذه المادة كالتالي : (( تقوم الهيئة تلقائيا بجمع المعلومات ونشرها ولها الحق ايضا في القيام بعمليات التحري والتدقيق للولوج إلى المعلومة بالاستعانة  بالنيابة العامة المختصة محليا وبالشرطة القضائية إذا إقتضى الامر ذلك .) هذا يعطي للهيئة نوع من القوة والقهر للمؤسسات والافراد للإنصياع لعملها .
أما المادة 12 فيتعين إستبدال عبارة مكافحة كما تم التطرق لها سالفا بعبارة محاربة .والمادة 13  يمكن إستبدال صياغتها بجعل مهامها تقوم بها مباشرة دون تدخل الغير (المبني للمجهول ) فتصير الصياغة (( تعد وتنشر الهيئة الاراء والتوصيات والمقترحات والتقارير والدورية التي أنجزتها بموازات مع تقريرها الذي ترفعه للبرلمان )).
والمادة 14يمكن ان تضاف إليها نتيجة هذا التقرير، وهو ان الهيئة مستقلة عن اية سلطة وان مبادرتها فوق أية مسائلة ومحاسبة ، والذي يجب ان يخضع لذلك هو الحكومة التي تتوخى تنفيذ سياستها الاقتصادية والادارية وهكذا يمكن صياغة هذه المادة (( تنجز الهيئة الوطنية تقريرا سنويا عن حصيلة أنشطتها وآفاق عملها مستقبلا يعرض من طرف رئيس الهيئة امام البرلمان طبقا للفصل 160من الدستور ولايكون محل تصويت او مسائلة للهيئة )).
الفصل الثاني :محاربة الفساد((والتصدي المباشر لأفعاله ))
 هذا وان الفصل اعلاه وإن كان  يتضمن دور الهيئة الاستشاري وإبداء الراي فلا يمنع من التذكير بدورها الأساسي وهو محاربة الفساد ،وهذا هو عنوان الفصل الثاني الذي يتضمن 15مادة لكن الملاحظ هو إضافة عبارة للعنوان ((محاربة الفساد والتصدي المباشر لأفعاله ))

فعبارة التصدي تعني في الاصطلاح القانوني  المعالجة والمجلس الاعلى سابقا ((محكمة النقض حاليا)) وهو حينما يرى ان القضية جاهزة للبت فيها في الموضوع بدون نقضها وإرجاعها لمحكمة الاستئناف يتصدى للقضية ويبت فيها، وهذه الصلاحية الغيت وهذا هو التعبير الحقوقي للكلمة الفصل الملغى من المسطرة المدنية368((إذا نقض المجلس الاعلى الحكم المعروض عليه واعتبر انه يتوفر على جميع العناصر الواقعية التي ثبتت لقضاة الموضوع بحكم سلطتهم تعين عليه اعتبارا لهذه العناصر وحدها التي تبقى قائمة في الدعوى التصدي  للقضية والبت فورا في موضوع النزاع او في النقط التي استوجبت النقض.))،يبدوا ان عبارة التصدي المباشر التي إستعملت هنا تعني غصب الاختصاص من يد السلطة القضائية وعدم احالة  احد الافعال الذي تم إكتشافها على القضاء ، والتصدي المباشر لها،كانها تعطي إمتياز للمخالفين بالاكتفاء بمعالجة إشكاليتهم في مرحلة قبل القضائية والتي هي إدارية وتتسم بمعالجةسرية و غير علنية وتدخل في خانة التوافقات السرية على مصالح الوطن ،إذ القضاء هو السلطة الوحيدة التي تعالج الامورعلنيا ،  وهذه مهمة أضافتها مسودة القانون لصلاحيات الهيئة مما يجعلها تتسم بمخالفة الدستور خاصة الفصول المنظمة للهيئة لكونها ليست هيئة للبت في القضايا اكثر ماهي هيئة للبحث والتحري عن المخالفات المنصوص عليها بالدستور وإحالتها على الجهة القضائية المختصة المجلس الاعلى للحسابات او القضاء العادي .
فالمادة 15يمكن إعطائها صياغة ملائمة لها (( تتلقى الهيئة التبليغات والشكايات والشكايات المجهولة المصدر بالحالات المتعلقة بأفعال الفساد التي تدخل في إختصاصها وتلك الواردة بالجرائدووسائل الاعلام ايضا،  وتقوم بالبحث والتحريات اللازمة بالاستعانة بالنيابة العامة والشرطة القضائية إن إقتضى الامر ذلك .))
ويمكن تعديل صياغة المادة 16 ((تقوم الهيئة الوطنية تلقائيا بجميع عمليات الرصد والبحث والتحري اللازمة للتاكد من حقيقة الوقائع والافعال التي تصل إلى علمها كما يمكنها أن تطلب من الجهات المعنية جميع التوضيحات والوثائق اللازمة .))
أما المادة 17 يبدوا انها تتضمن بعض الفتور والوهن في الصياغة والتساهل مع الخاضعين لعملية البحث والتحري وغياب عنصر المباغة والفورية ،وحتى تكون الصياغة شاملة لبعض القوة والجبر فيمكن إستبدال الصياغة كما يلي ،((يجب على الادارت والمؤسسات العامة والخاصة والهيئات المعنية أن تسهل للهيئة الوطنية والمأمورين التابعين لها والمكلفين بالبحث والتحري الولوج للمعلومات اللازمة وقواعد المعطيات متى طلب منها .
ويمنع عليها الاعتراض على عمليات الرصد والبحث والتحري التي تقوم بها الهيئة الوطنية في إطار إختصاصاتها وكل عرقلة أو احتجاج بالسر المهني يكون محل متابعة ومسائلة جنائية طبقا للقانون الجنائي .))
تمت مناقشة مدى إستقلالية الهيئة الوطنية عن باقي السلط في اليوم الدراسي لمسودة القانون والتي عقدت بمعهد التهيئة والتعمير يوم 22يناير 2013 بالرباط ،فتم التعقيب على احد المتدخلين بعدم إطلاعه جيدا على المسودة لكون الامر يتعلق بهيئة دستورية مستقلة غير تابعة للوزير الأول (رئيس الحكومة )مع ان الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة التي قدمت المسودة حاليا تعمل تحت سلطة رئيس الحكومة ولابد ان يتم صياغة مشروعها بلون الحكومة الحالية ولايمكن السير خلاف توجهتها ،والواضح من المادة 18 هو انها تكرس مدى تبعيتها للحكومة مع ان الامر يتعلق بمؤسسة دستورية ،أوكل لها الدستور محاربة الفساد أينما كان داخل ربوع البلاد وخارجه ،والمشروع كلما تعلق الامر بمسائل يسميها (الدفاع الوطني والأمن الداخلي أو الخارجي للدولة )أخبر رئيس الهيئة الوطنية رئيس الحكومة وهذا الفصل يؤكد صراحة تبعية الهيئة لرئيس الحكومة وهذا يمس بإستقلاليتها مع انها مؤسسة دستورية .
 فالمادة 18 نزعت الصلاحيات التقديرية من رئيس الهيئة الوطنية حول تقدير الابقاء على كتمان السر أو رفعه، واعطته لرئيس الحكومة مع انها مستقلة عنه، وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن تشكلة الهيئة وهل تتضمن ضمن أعضائها شخصيات امنية وعسكرية مشهود لها بالنزاهة والتجربة والكفاءة في مجال المحاسبة والادارة للهيئات المذكورة ،ويجب على القانون أن ينص على ذلك حتى تتم دراسة هذه المسائل المتعلقة بالسرية والكتمان داخل الهيئة الوطنية بدون إعطاء الاختصاص لجهة خارجة عن الهيئة .
وهكذا تساغ المادة 18 على الشكل التالي (( عندما تتعلق عمليات الرصد والبحث والتحري المذكورة بالفصل اعلاه بالدفاع الوطني أو الأمن الداخلي أو الخارجي للدولة ،أصدرت الهيئة قرارا معللا بعد إستشارة اعضائها المكونين لها والمتخصصين في المجال المذكور بالابقاء على كتمان السر أورفعه ،تكون الهيئة ملزمة بضمان سرية التحريات والابحاث.))
وتكرر المادة 19كذلك نفس الاتجاه بالمس بإستقلالية الهيئة عن السلطة التنفيذية الممثلة في رئيس الحكومة ،وذلك حين نص على رفع تقرير إلى رئيس الحكومة بعد إشعار رئيس الادارة المعنية قصد إتخاذ التدابير لمنع سلوك إداري قد يعرقل عمل الهيئة ،مع ان الفصول السابقة التي تم إقتراح تعديلها تجعل هذا المنع عملا مجرما ولايدخل ضمن مصطلح السلوك الاداري بل يشكل عرقلة للبحث ،وان الامر لايتوقف على اي إشعار لرئيس الادارة المعنية ولا لرفع تقرير إلى رئيس الحكومة حتى تضيع مصالح البلاد في الروتين الاداري وتفوت الفرصة لضبط حالات تشكل مخالفات جرمها القانون الاسمى .
ولهذا يمكن الاستغناء عن هذا الفصل إو إستبداله بمقتضيات تشعر السلطات المعنية بإتخاذ الاجراءات الجزائية ضد من تسبب في هذه العرقلة .
وتكون المادة 19على الصيغة التالية تقوي وتساند اعمال الهيئة ((تقوم الهيئة الوطنية برفع تقرير إلى الجهات المعنية تشعرها فيه بإتخاذ الاجراءات الجزائية وضبط وإحالة كل شخص  تسبب في عرقلة عمل اللجنة على الجهات القضائية المختصة لإتخاذ ماهو لازم قانونا )).
المادة 20 تعطي إنطباعا بكون ضباط الشرطة القضائية واعوانها هم يشكلون جزاء من الهيئة مع ان الفصول السابقة اقصتهم من هذا المجال وجعلتهم فقط تحت الخدمة عندما يطلب منهم ذلك من طرف الهيئة، في حين انهم يشكلون جزاء ضروريا  من الآلية التي بدونها لايمكن للهيئة ان تفعل عملها وتعطيه قوة وقهرا وجبرا ينم على قوة مؤسسات الدولة وسيادة القانون، لذا يجب الانطلاق من هذه المادة على أن قضاة النيابة العامة و الشرطة القضائية واعوانها هم من مكونات الهيئة الوطنية ممثلين برؤسائهم الاعليين وهكذا يمكن إعادة صياغة هذه المادة على الشكل التالي ((ينتذب رئيس الهيئة الوطنية المأمورين التابعين لها للقيام بعمليات الرصد والبحث أو التحري المشار إليها اعلاه ،ويمكن ان يؤازروا بقضاة النيابة العامة وبعناصر الشرطة القضائية وأعوانها إن إقتضى الامر ذلك.
يؤدي هؤلاء المأمورون المنتدبون اليمين القانونية قبل ممارسة مهامهم امام السلطة القضائية ، (محكمة الاستئناف بالرباط )ويلزمون بكتمان السر المهني طبقا للتشريعات الجاري بها العمل  )).
ويمكن صياغة المادة 21 باسلوب مغربي اكثر سهولة (( لماموري الهيئة المنتدبون لغاية البحث والتحريات الحق في الاطلاع على كافة الوثائق والمستندات للوصول إلى المعلومات حول الافعال موضوع البحث .
كما لهم الحق في القيام بمعاينات والاطلاع على البيانات الواردة في التصريحات بالممتلكات وبتضارب المصالح ،بتنسيق مع السلطة القضائية والمجلس الاعلى للحسابات
والاستماع إلى كل شخص يفيد في البحث ويمكنهم رفع تقرير إلى النيابة العامة لإستقدام كل شخص يرفض المثول امام ماموري الهيئة واتخاد الاجراءات القانونية ضده في حالة رفض الادلاء بالتصريحات .))
ويمكن في المواد التالية 22و23الجمع بين مهمة الاشتراك والتكليف للقيام بمهام من طرف الهيئة الوطنية إستنادا لأساسين أولا ان السلطة القضائية والشرطة القضائية هما مكونين وجزء من الهيئة ولايمكن تغيبهما، وبالتالي فهم مشتركون تلقائيا في القيام بهمام محاربة الفساد، و الاساس الثاني انه يمكن للهيئة الوطنية ان تنتذب خبراء في مهمة معينة من طرف اشخاص يعملون بالمفتشيات العامة للوزارات بعد موافقتهم للقيام بتلك المهمة .وهكذا تصاغ كل من المادة 22و23 في مادة واحدة على الشكل التالي  ((للهيئة الوطنية ان تنتذب او تكلف  تحت إشرافها مفتشين تابعين للمفتشيات العامة للوزارات في إجراء عمليات مشتركة للبحث والتحري والرصد ضد افعال الفساد ،ويمكن للنيابة العامة والشرطة القضائية أن تتدخل في العملية إن إقتضى الامر ذلك ،وعلى الجهة المنتذبة او المكلفة ان ترفع نتيجة اعمالها للهيئة الوطنية .
والواقع ان تدخل الشرطة القضائية في عمليات محاربة الفساد هو من إختصاصها الاصلي بحيث أنها تشكل عنصرا مكونا للهيئة الوطنية وهي آلية فعالة لمحاربة الفساد وان اعملها الواقعية تؤطر قانونا بقضاة النيابة العامة الذين لهم نفس الوضع داخل الهيئة الوطنية كما انه يكون نفس الوضع القانوني للمفتشين المنتدبين من الهيئة الوطنية الذين هم مستقلين عن المفتشيات التي يعملون بها بالوزارات حين إنتدابهم للعمل مع الهيئة ويلزمون بكتمان السرالمهني اتجاه رؤسائهم الاصليين حول ماتم تكليفهم به من طرف الهيئة تحت طائلة المسائلة ، مما يتعين إلغاء عبارة ((المفتشون التابعون للمفتشيات العامة )) حتى لايستنتج انهم يخضعون لتعليمات رؤسائهم الاصليين ، وبالتالي تخضع الاعمال المتمثلة في المحاضر والمعاينات والتقارير للقانون العام وهو المسطرة الجنائية .وهكذا يمكن صياغة المادة 24 من قانون الهيئة (( ينجزالمامورون التابعين للهيئة الوطنية و المفتشون العاملين بالمفتشيات العامة  المنتدبون وضباط الشرطة القضائية بجميع تخصصاتها محاضر وتقارير تتضمن نتائج عما قاموا به من اعمال لفائدة الهيئة الوطنية تذيل بتوقيعهم وترفق بالوثائق والمستندات المتعلقة بمهام المسندة إليهم وترفع إلى رئيس الهيئة الوطنية .
تسري على هذه الاعمال والمحاضر والتقارير الاحكام المنصوص عليها بالمسطرة الجنائية .))
لابد من الاشارة مرة اخرى إلى كون عملية التصدي أو حتى مايسمى بمعالجة الشكايات من طرف الهيئة لأعمال الفساد هي غصب للإختصاص القضاء وتجاوز للسلطات التي من أجلها انشأت الهيئة فهي هيئة منشأة لمحاربة الفساد الاقتصادي والإداري اي القيام بعمليات الاستشارة والوقاية و الرصد والبحث والتحري فهي هيئة تبدي الراي متى طلب منها من الجهات الاقتصادية او الادارية ومن جهة ثانية فهي هيئة للقيام بالابحاث والتحريات والكشف عن مكامن الفساد فقط وإحالة نتائجها إلى السلطة القضائية ( المجلس الاعلى للحسابات او القضاء العادي )وذلك إحتراما لمبادئ المحاكمة العادلة والمتمثلة في فصل جهة البحث عن جهة المتابعة لأن عمل الهيئة هو عمل جمع الادلة والبحث التحري وهذه المرحلة تتسم بصفة السرية اما جهة المتابعة والمحاكمة فهي القضاء المختص والذي يعالج الامور علنيا حفاظا على مبدأ المحاكمة العادلة الذي يتسم بحق الدفاع والتواجهية بين الاطراف امام القضاء .
والمادة 25التي تضمنت مايسمى (حق التصدي ) المنتقد اعلاه يمكن إعادة صياغتها ((إذا خلصت نتائج البحث أو الرصد او التحري التي قامت بها الهيئة الوطنية إلى وجود أخطاء في التدبير المالي أو الاداري متعلقة بمحاربة الفساد أشير إلى ذلك في نتائج تقرير الاحالة على الجهة القضائية المختصة التي تملك كامل الصلاحية للبت في التقرير المرفوع إليها طبقا للقانون على ان تلزم بإخبار الهيئة بمآل الملف في اقرب الآجال متى تم إتخاد الإجراء القانوني المتعلق به .))
بهذا نكون قد إحترمنا مبدأ استقلال السلطة القضائية عن اية جهة وكذلك إستقلال الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد ،اما إذا كانت نتائج البحث تتضمن مخالفات خطيرة لما هو معاقب عليه بمقتضى الدستور والقانون الجنائي والقوانين الجنائية الخاصة فيتم تضمين ذلك بنتائج تقارير الهيئة الوطنية، ويمكن ان توقف المحاكمة التأديبية التي اجريت في حق المتورطين قبل إكتشاف هذه الافعال المجرمة أو انه تحال نتائج التقرير إلى الجهة القضائية المختصة التي لها كامل الصلاحية لأن تامر بالمتابعة الجنائية وتؤجل الاحالة على المسائلة التأذيبية إلى حين صدور احكام نهائية ضد المتورطين الذين يحالون وجوبا عليها إن كانوا اعوان الدولة .
ولابد من الاشارة إلى ان الافعال المتعلقة بالفساد المالي تحال كلها على المجلس الاعلى للحسابات وانه تكون للمجلس كامل الاستقلالية لإحالة القضية على المسائلة التأذيبية إذا كانت هناك مجرد اخطاء في تدبير المالي ولاترقى إلى درجة سوء نية والفساد أما إن رأى ان المسألة تدخل في خانة الفساد المالي والاقتصادي احال القضية إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض الذي لايملك سوى تطبيق القانون كما نص عليه الدستور وهذا يسجد المطالب التي ينادي بها القضاة والمتعلقة بإستقلال النيابة العامة على السلطة التنفيذية خاصة عضوها المهيمن عليها (وزير العدل ) حتى لاتتلون التعليمات القضائية بمصالح حزبية وتطبيقا للتحالفات السياسية .
ويمكن صياغة المادة 26 و27 في مادة واحدة على الشكل التالي ((أما إذا خلصت نتائج البحث أو الرصد او التحري التي قامت بها الهيئة الوطنية إلى وجود أفعال مجرمة يعاقب عليها القانون الجنائي والقوانين الجنائية الخاصة وتدخل ضمن ماحدد بالدستور في الفصل 36 ترفع الهيئة نتائج الابحاث مرفقة بالوثائق والمستندات  إلى الجهة  القضائية المختصة ( المجلس الاعلى للحسابات أو القضاء العادي )لإتخاذ مايلزم قانونا وإخبار الهيئة بذلك.))
وفي إطار تتبع الهيئة لنتائج اعمالها ومجهودات اعضائها في محاربة الفساد وحتى تضمن ذلك تقريرها السنوي الذي ترفعه للبرلمان بواسطة رئيس الهيئة وتنفيذا للفصل الأول من الدستور ((....يقوم النظام الدستوري للمملكة على اساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها ،والديموقراطية المواطنة والتشاركية وعلى مبادئ الحكامة الجيدة ،وربط المسؤولية بالمحاسبة ....))فتلزم الجهة القضائية المحال عليها الملف بإخبار الهيئة بالقرارات المتخدة في الملف في جميع مراحله ،وهكذا يمكن صياغة المادة 28من المسودة على الشكل التالي ((يتعين على الجهة القضائية التي أحليت عليها نتائج الابحاث المنجزة من طرف الهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الفساد أن تشعر الهيئة الوطنية  بكل قرار تم إتخاده بشأنها في آجال معقولة .)) وحتى نضمن استقلالية السلطة القضائية ايضا فهي ملزمة قانونا بتعليل اي قرار تتخذه كما نص على ذلك الدستور في فصله 110(( ....يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون ،كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها .))وهذه السلطة هنا ليست إلا السلطة القضائية وليست السلطة التنفيذية التي يخضع لها وزير العدل ، وتبقى المناقشة حول مؤسسة المجلس الاعلى للحسابات الذي جاء في الباب العاشر من الدستور كمؤسسة دستورية مستقلة هل هي تدخل ضمن السلطة القضائية ام تشكل جهة قضائية مستقلة ومتخصصة ؟

وناقش بعض المتدخلين في اليوم الدراسي المشار إليه اعلاه مسألة عدم المساس باستقلالية السلطة القضائية، واعتبروا ان عدم النص على إحالة بعض الافعال مباشرة على السلطة القضائية هو خوف من المساس باستقلالية القضاء المنصوص عليه دستوريا ،وهذا ينم على ان الجهة التي أنجزت المسودة غير ملمة بالمسائل التقنية للسلطة القضائية وكيفية سيرها مما يكون معه تغييب الآليات الضرورية في عمل الهيئة الوطنية في وضع هذه المسودة عيبا قد يمس بعمل الهيئة مستقبلا .
فلتحديد مجال العمل القضائي من مجال البحث والاستشارة والرصد الذي تختص به الهيئة الوطنية يمكن التمييز بين مرحلتين الاولى تتسم بالسرية وجمع المعلومات والوثائق والاستماع للمصرحين وكذا للمعنيين بالأمر وهذه كلها مرحلة غير قضائية ولايمكن ان تدمج فيها إحدى مراحلها مثل ماسمته المسودة ( معالجة الشكايات او التصدي المباشر ) فعبارة المعالجة والتصدي يجب ان تاخذ مفهوما يقتصر على البحث والرصد وجمع المعلومات، لاغيره الذي يمتد للعمل القضائي وأنه حتى لايقع هناك إلتباس وتداخل في عمل الهيآت الدستورية المكلفة بمحاربة الفساد سواء منها الادارية اوالقضائية يتعين حدف هذه العبارات من مسودة قانون الهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الفساد ،وبمجرد رفع الهيئة الوطنية يدها على ملف البحث الذي سطرت نتائجه في تقريرها ورفعته للجهة القضائية إلا تبدأ المرحلة القضائية والتي ماهي إلا تقييم ومعالجة وتصدي لعمل الهيئة الادارية السري وذلك بالعلنية الممثلة في المحاكمة العادلة والتي تبدأ فيها صناعة القرار القضائي ،و من ضمن مبادئها هو فصل جهة البحث عن جهة المتابعة والملاحقة ثم يليها مبدأضمان حق الدفاع والتواجهية بين الخصوم امام القضاء الذي يعالج الامور علنيا. وهكذا يلاحظ على المادة 29من المسودة انها تمس وتتقاطع مع مايدافع عنه(( نادي قضاة المغرب )) في إستقلالية النيابة العامة عن وزير العدل الذي يستعمل هذه الآلية لغاية ضيقة تخص حزبه الحاكم مما يمس باستقلالية النيابةالعامة ،ويحتج المدافعون عن بقاء النيابة العامة تحت سلطة وزير العدل بالمادة 51 من قانون المسطرة الجنائية في تفسير خاطىء لمعنى الاشراف على تنفيذ السياسة الجنائية ، فهذا المرحلة تأتي بعدية لتنفيذ قرارت المحاكم لاقبل مرحلة صناعة القرارات والمحاكمة ،وبالتالي يبقى تدخل وزير العدل في تنفيذ السياسة الجنائية بإعتباره عضوا في السلطة التنفيذية مكلف بالتنفيذ في مرحلة بعد صناعة القرار لاقبله، و يجب ان تتبتعد عنه النيابة العامة لأنها هي الآلية التي تحرك صناعة القرار ويبقى اشرافه بعدي لتنفيذ القرارات والاحكام المدنية والجنحية وكذا تنفيذ الاتفاقات الدولية، والاحكام و العقود بعد ان تذيل بالصيغة التنفيذية من طرف القضاء الوطني،وان ينفذ كذلك قرارات تسليم المجرمين بعد صدور قرارات عن محكمة النقض بالموافقة على ذلك ،وان الذي يضع السياسة الجنائية هي القوانين التي تضعها وتقررها السلطة التشريعية  بواسطة مشاريع مقدمة من طرف السلطة التنفيذية او إقتراحات قوانين من طرف السلطة التشريعية .
وبالتالي تبقى الغاية من المادة 29 من المسودة مخالفة للقانون وغير دستورية لمخالفتها للفصل 110من الدستور خاصة الفقرة الثانية ((.........يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون ،كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها .)) وبالتالي يتعين عدم إعتبارها .
الباب الثاني : تركيبة الهيئة الوطنية واللجن الجهوية
في الباب الثاني الذي جاء تحت عنوان تركيبة الهيئة الوطنية واللجن الجهوية تتضمن 20مادة وحتى ينسجم عنوان هذا الباب مع باقي مواده يمكن تعديل عنوانه بعبارة (تأليف الهيئة الوطنية واللجن الجهوية )ولو ان هذا الباب كان يتعين تقسيمه لفصلين كما هو عليه الامر بالنسبة للباب الاول ،الفصل الاول يخصص لهيكلة الهيئة الوطنيةواللجن الجهوية ،والفصل الثاني لمهام الاجهزة المسيرة .
ويمكن إعادة كتابة المادة 30 (( تتألف الهيئة الوطنية من رئاسة وجمع عام ولجنة تنفيذية تضم كتابة عامة )).لأن الكاتب العام يجب ان يختار من بين اللجنة التنفيذية عن طريق الانتخاب من بين اعضائها .وهكذا يمكن الاستغناء عن تعيين الكاتب العام الذي يختار من بين الاعضاء المعيين سلفا من الملك .
كانت هناك تجارب سابقة بإقتراح شخصيات لمناصب حساسة في الدولة كانت تتم بإقتراح من جهات مجهولة لايطلع المواطن على خلاصة تقرير بحثها عن هؤلاء الاشخاص المقترحين ،ولاحتى التوجهات التي تحكمها مما يغيب  مسؤوليتها ومسائلتها في اقتراح شخصيات غير قادرة على تدبير المرفق العمومي بل قد تتلاعب بمصالح المواطنين والاموال العام للدولة دون اي رقيب ولاحسيب لعدم الاحتياط والحذر في إقتراح اشخاص قد يضيعون مؤسسات الدولة ،في حين انه في دول أجنبية يكون هناك خطأ بسيط لعون تابعة لمؤسسة ما سببا في تقديم المسؤول عنها لإستقالته لكونه لم يحسن الاختيارولم يتخذ الاحتياطات والتوقعات اللازمة لذلك أعطي مثال ((بالحرائق التي عرفتها السجون بالمغرب لم تشهد اية إقالة للمسؤولين الذين وقعوا على تسلم البنايات رغم عدم تزويدها بوسائل إطفاء الحرائق التلقائية ) ولم يبني إقتراحاته على بحوث موضوعية ،وبالتالي فإنه يتعين تحديد اللجنة علنيا التي تقترح على الملك الشخصيات التي سيعينها لشغل مناصب بالهيئة الوطنية حتى تحدد المسؤولية ،ويجب ان تتوازى فيها تمثيلية السلط الثلاثة إضافة إلى المجتمع المدني .
ومن جهة ثانية يجب ان تكون الفترة التي تعين لها الشخصية التي ستشغل رئاسة الهيئة الوطنية موازية للفترة التي ستعمل فيها الحكومة الجديدة وبالتالي تتغير مع تغير الحكومة في الاستحقاقات العامة ويكون التعيين لفترة واحدة غير قابلة للتجديد حتى لاتصاب شخصيات القانون العام بالادمان على السلطة ،ويجب على تلك الشخصية ان تعرض برنامجها للعمل طيلة فترة الولاية حتى تلتزم بتطبيقة ويمكن ان تسائل عليه بعد إنتهاءفترة ولايتها تطبيقا لما جاء بالدستور( المسؤولية تقابلهاالمحاسبة ).المادة 31 من مسودة المشروع .
هذا فإن  تركيز السلطات بيد الرئيس من خلال المواد 32ومابعدهايجعل المسؤولية فردية يتحملها الرئيس ، وإلا فالمسؤولية تكون جماعية وتضامنية في حالة تحديد برنامج العمل خلال الولاية من طرف الجمع العام للهئية والذي تتولى تنفيذه اللجنة التنفيذية .
ولابد من الاشارة إلى ان تركيز السلطات بيد رئيس الهيئة قد يؤدي إلى الاستئثار بالقرار ويسهل ممارسة الضغط على فرد واحد من الهيئة بدل توزيع الادوار على مجموعة من الاعضاء والتداول بشأنها مما يجعل أثر التأثير والضغط ضعيفا وغير ذي جدوى .و،وقد يحرج الضاغط بفضح ممارسته علنيا .اضافة إلى انه يجب حدف مهمة التصدي المباشر التي هي وظيفة قضائية لاتختص بها الهيئة الوطنية كما سبق الاشارة إلى ذلك (الفقرة 6 من المادة 33من المسودة ،كما ان تفويض بعد المهام بصفة شخصية هو عمل ذاتي يصطبغ بعدم الموضوعية وتطغى فيه التقييمات الذاتية مما يتعين حذف هذه الصلاحية  لرئيس الهيئة وإسنادها للجنة التنفيذية للمصادقة عليها (الفقرة الاخيرة ـ تفويض بعض إختصاصاته لمسؤولين بالهيئة يعينهم بصفة شخصية لهذا الغرض ـ .
المادة 34 حددت عدد أعضاء الهيئة في 29شخصية يعين 10منها الملك (طبعا بعد تأسيس لجنة معروفة للتحري والاقتراح حتى تكون مسؤولة امام الملك في حالة إقتراح شخصيات غير فاعلة وقادرة ) بالنسبة لتسعة شخصيات التي اعطي للحكومة إختيارها فهو إجراءمخالف للدستور خاصة الفصل 1 الذي ينص ((..........يقوم النظام الدستوري للمملكة على اساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها....)) إذ تم تغيب سلطتين القضائية والتشريعية وهذا ما اشير إليه سابقا لكون الآلة الفعالة التي تعطي للهيئة قوة هي السلطة القضائية بكافة مكونتها (قضاة النيابة العامة وقضاة المجلس الاعلى للحسابات ثم الشرطة القضائية بكل مكونتها[1] ( ضباط الجمارك ضباط المالية ضباط الاسواق المالية (مجلس القيم ) وغيرهم وهكذا يوزع إختيار هؤلا التسعة بنسبة 3شخصيات لكل سلطة 3قضاة (قاضي بمحكمة النقض ومحامي العام بمحكمة النقض وقاضي بالمجلس الاعلى للحسابات )3 شخصيات بالحكومة  موظف سامي بالادارة الداخلية وموظف سامي (بالمالية او العدل ـ من غير القضاة ـ )موظف سامي بالخارجية 3 اعضاء من السلطة التشريعية يختارون حسب التمثيلية برلمانين من الاغلبية وبرلماني من الاقلية ـ
وبالنسبة لعشرة شخصيات الذين يختارون من بعض المؤسسات العامة والمهنية لابد ان يكون من بين اعضائها
ـ احدالضباط (أو ضابطين برتبة ـ كونيل أو جنيرال من المفتشية العامة للقوات المسلحة الملكية )السامين للجيش مختصين في مجال المحاسبة والتدبير الاداري المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والتجربة.
ـ أحد ضباط الشرطة القضائية الساميين المتخصصين في مجال محاربة الفساد المالي والادارية والمشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والتجربة .
ـ جمعية هيآت  المحامين بالمغرب
ـ غرفة الموثقين...........الباقي لايتغير ......))
 مازالت المادة 35تتضمن عبارة (مكافحة ) التي يجب ان تستبدل بالمحاربة .
وبالنسبة للمادة 39 من المسودة فأشارت الى كون اللجنة التنفيذية تتكون من تسعة اعضاء 3 من بين الذين إختارهم الملك فيجب إستبدال (ثلاثة اعضاء من بين الاعضاء الممثلين للحكومة ) لكونها غير دستورية كما سبق الاشارة الى ذلك فتكون هكذا ( ثلاثة اعضاء ممثلين للسلطات الثلاثة ( قاضي وعضو من البرلمان ثم عضو من الحكومة ) ،والمادة 46 اعطت للملك صلاحية تعين الكاتب العام مع ان هذه المهمة يمكن ان تسند للجنة التنفيذية ان تختار من هو مؤهل للقيام بهذه المهمة بعد المناقشة والتصويت .
وتركز المادة 48صلاحيات رئيس الهيئة في تعيين رؤساء اللجن الجهوية مع ان هذه الصلاحية كما سبق إنتقادها قد تعتمد على معايير ذاتية اكثر من موضوعية ويتعين إعطاء هذه الصلاحية للجنة التنفيذية .
الباب الثالث: التنظيم الاداري والمالي للهيئة الوطنية
في الباب الثالث ماقبل الاخير والمتضمن للتنظيم الاداري والمالي للهيئة الوطنية ،كان الاحرى تخصيص المادة 50منه  لتنصيص على جعل الميزانية المخصصة للهيئة الوطنية
تناقش من طرف البرلمان حسب البرنامج السنوي لجدول الاعمال المسطر من طرف الهيئة بدل إعادة التذكير بإستقلالها المالي والاداري والذي سبق النص عليه بالمادة 1.
وهكذا تكون المادة 50 على الشكل التالي (( تتمتع الهيئة الوطنية بميزانية ترصد لها للقيام بمهامها تعرض على البرلمان وفق برنامج العمل السنوي الذي صادق عليه الجمع العام ،وتخضع للمناقشة والتصويت وتخضع للمراقبة البعدية حسب قواعد المحاسبة العمومية بعد إنتهاه كل ولاية .))
ويلاحظ على المادة 51انها تضمنت عبارة إعانات مالية وكذلك الهبات والوصايا وهذه العبارات تنم عن المساس بإسقلالية الهيئة الوطنية ، المفروض فيها القوة وليس الضعف مما يتعين تغيير تلك الكلمات موازاة مع المهام الجسيمة للهيئة الوطنية ، ويمنع عليها تلقي اية هبات او وصايا  خارج الميزانية المخصصة لها وإلا سنقدم لها (رشوة لمحاربة الفساد ) ثم إنه يجب التنصيص على ان مؤسسة الكتاب العامون الجهويين يعتبرون آمرين بالصرف بقوة القانون دون تعيين من رئيس الهيئة .
من حيث مراقبة حسابات الهيئة يجب التنصيص على ان لجنة التدقيق والافتحاص المنصوص عليا بالمادة 54 يجب تعينها من طرف الجمع العام والتصويت عليها بعد الاعلان على العروض وفق دفتر التحملات ويكون التقرير محل نقاش وتصويت من طرف الجمع العام او رفضه .
الباب الرابع :  أحكام ختامية
والباب الرابع هو مخصص للأحكام الختامية التي لاتتضمن اية ملاحظات بشأنها .
وختاما فإن تعديل هذه النصوص المنتقدة لابد ان يعرف إنتقادات متسلسلة قصد التطلع لماهو احسن في وضع مؤسساتقادرة على تخليق الحياة الاقتصادية والادارية  ،و التنزيل للهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الفساد على ارض الواقع ،هو الذي سيحكم على فعالية هذه المؤسسة او فشلها (وإن يعلم الله في قلوبكم خيرا يوتيكم خيرا )صدق الله العظيم والله ولي التوفيق .
إنتهى بحمد الله وقوته بتاريخ15ربيع الاول 1434هجرية الموافق ل 27يناير 2013
                        إنجاز ودراسة لعبد ربه محمد عنبر رئيس غرفة بمحكمة النقض
                                    ونائب رئيس نادي قضاة المغرب

                                                                  تم نشره بجريدة العلم  









[1]  من المطالب التي جاء بها النادي هي فصل الشرطة القضائية عن الادارة العامة لأمن العمومي وجعلها تابعة للسلطة القضائية الممثلة في النيابة العامة تفاديا لإزدواجية التعليمات التي قد تكون صادرة من السلطة التنفيذية .


1.      هذا التوجه ينسجم مع الارتقاء بمراقبة  عمل الشرطة القضائية إلى المستوى الدستوري الفصل 128منه ((تعمل الشرطة القضائية تحت سلطة النيابة العامة وقضاة التحقيق في كل ما يتعلق بالابحاث والتحريات الضرورية في شأن الجرائم والتحريات الضرورية في شأن الجرائم وضبط مرتكبيها ولإثبات الحقيقة )) كما يتمشى مع مطالب نادي قضاة المغرب من أجل إستقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية وكذا إستقلال النيابة العامة عن وزير العدل وإحداث إدارة عامة للشرطة القضائية مستقلة عن الادارة العامة للأمن الوطني التابعة للسلطة التنفيذية لافيما يخص التعيين والمسار المهني لعناصر الشرطة القضائية .

مقالة عزلة القضاء في مواجهة الغوغاء للأستاذ حكيم الوردي


عزلة القضاء في مواجهة الغوغاء
يبدو أن تصويت المغاربة على دستور 2011 الذي انتقل بالقضاء من ظلال المؤسسة إلى هيبة السلطة كان مجرد ممارسة شكلية أملتها سياقات اللحظة التاريخية التي أعقبت هبوب نسائم الربيع العربي على وطننا الحبيب. ذلك أنه بالرغم من الحمولة المتقدمة لبنود الوثيقة الدستورية فإن سلوك المخاطبين بنصوصها لازال مغرقا في التقليدانية، ويمتح من مرجعيات المجتمعات البدائية التي تسود فيها أهواء القبيلة، ونزوعات الشعبوية وما ينتج عنها من نزع الشرعية عن المؤسسات، والإمعان في تبخيس وظيفتها وتشويه سمعة أفرادها.
وينبغي الاعتراف أن تفشي الأمية بجميع مستوياتها، وتدني المستوى المعيشي، وغياب أي دور للأحزاب السياسية في التأطير، وطغيان السطحية والتشهير والدعاية المغرضة على خطاب وسائل الإعلام، كلها عوامل إلى جانب أخرى أسهمت في خلق وعي جمعي مغربي مشوه، طفولي، نفعي، انفعالي، وغير عقلاني. وعي منفصل عن الإحساس بالانتماء إلى أفق فكري أو مشروع مجتمعي للنهوض بأوضاع الوطن.
إن العمل على فهم آليات اشتغال منطق الانتماء القبلي يشكل أحد المداخل الأساسية لاستيعاب مسلسل التشويه والإضعاف المستمرين للقضاء. وسواء تعلق الأمر باحتجاج سكان قبيلة منطقة معينة أو قبيلة هيئة مهنية أو إعلامية على حكم قضائي أو سلوك فردي معزول فإن القاسم المشترك بينها هو تدخل جهات معلومة على الخط لترسيخ سوء الفهم الكبير بين المغاربة وقضائهم، وتعميق الصورة النمطية على القضاة كأشخاص فاسدين، مهوسين بحب السلطة وطغاة ظالمين. جهات تبتهل الفرصة لتصفية حساباتها الضيقة مع القضاء لأنها لسبب أو لآخر وجدت نفسها ذات ملف في مواجهة أحكامه.
ولفرط الحاقد الطافح بات وجه خصوم القضاء مكشوفا بلا مساحيق. وللأسف فالأمر يتعلق بلوبيات مبثوثة في مختلف الهيئات المهنية والسياسية، ومؤسسات المجتمع المدني والحقوقي ووسائل الإعلام، تهيمن عليها ذهنية قوامها العداء التاريخي والمجاني للقضاء، لا تتورع عن تصريف هذا العداء بمختلف الأساليب المشروعة وغير المشروعة من وقفات احتجاجية وروبورتاجات وأخبار إعلامية مفتقدة للحياد والموضوعية.
ومن مفارقات الزمن المغربي الرديء أن جميع أفراد المجتمع وهيئاته يحتكمون إلى القضاء في خصوماتهم إلا أنه قلما يلتزمون بالاحترام الواجب له كسلطة، كما أن الجميع ينادي بحتمية استقلاليته إلا أنه سرعان ما تستل الخناجر للطعن في قراراته. وفي المحصلة لا أحد مستعد لتحمل ضريبة قضاء مستقل. فالمغربي بطبيعته لا يهمه من المؤسسات إلا بقدر ما تجود عليه من منفعة عند احتياجه لخدماتها.
إن الأجواء المهيمنة على تنزيل الدستور في مقتضياته ذات الصلة بالسلطة القضائية لا تبشر بخير. فحمى السعار المجتمعي على القضاء، وتغذية الشعور العدواني اتجاه القضاة لن يسهم في بناء سلطة قضائية قوية، مهابة الجانب. وعلى الجميع أن يعلم بان إضعاف القضاء هو إضعاف لسلطة القانون، وتقويض لدعائم دولة الحق بسيادة القانون. كما أن استقالة من يعنيه الأمر عن القيام بدوره في حماية القضاة يمنح الانطباع بأن هناك إقرار بشرعية تغول المجتمع على القضاء، أو على الأقل يدفع إلى الاعتقاد بأن على القضاة مجابهة مصيرهم. وإذا كان الأمر كذلك فعلى القضاة أن يهبوا لانتزاع احترامهم كسلطة في ممارستهم المهنية وحياتهم الشخصية، وذلك بالتحلي بالنزاهة والاستقامة والالتزام بقيم المواطنة والاحترام التام للقانون، كما أن دور نادي القضاة في هذا المعركة أضحى دورا مفصليا، فعلى الأجهزة المسؤولة أن تبادر في أقرب وقت إلى رفع الأمر إلى من يجب، وأن تفتح قنوات التواصل الذكي مع وسائل الإعلام وهيئات المجتمعين السياسي والمدني وتخوض حملة تصحيحية للدفاع عن كرامة القاضي كمواطن عادي لا امتياز له إلا بقدر ما يمنحه القانون. القاضي المغربي الذي لا يمكنه أن يشتط أو يهين أو يظلم مواطنا مغربيا مهما كان موقعه الاجتماعي، وإلا فإنه غير جدير بتقلد أمانة القضاء.
بقيت الإشارة في الأخير إلا أنه في بحر الأسبوع المنصرم أرسل اتحاد نقابات القضاة بفرنسا رسائل إلى كل من حارس الأختام، ووزير الداخلية ونقيب المحامين احتجاجا على ما يتعرض له القضاة الفرنسيين من اهانات، كما فتح تحقيق مع العديد من الصحفيين في مصر لتجرؤهم بالحديث عن القضاة بما لا يليق بهم. فالحمد لله إذن أن الأمر لا يتعلق بحالة مغربية معزولة.
حكيم الوردي عضو نشيط بنادي قضاة المغرب 

jeudi 21 février 2013

الجزء الثالث من تعليق على قانون الهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الفساد


الباب الثاني : تركيبة الهيئة الوطنية واللجن الجهوية
في الباب الثاني الذي جاء تحت عنوان تركيبة الهيئة الوطنية واللجن الجهوية تتضمن 20مادة وحتى ينسجم عنوان هذا الباب مع باقي مواده يمكن تعديل عنوانه بعبارة (تأليف الهيئة الوطنية واللجن الجهوية )ولو ان هذا الباب كان يتعين تقسيمه لفصلين كما هو عليه الامر بالنسبة للباب الاول ،الفصل الاول يخصص لهيكلة الهيئة الوطنيةواللجن الجهوية ،والفصل الثاني لمهام الاجهزة المسيرة .
ويمكن إعادة كتابة المادة 30 (( تتألف الهيئة الوطنية من رئاسة وجمع عام ولجنة تنفيذية تضم كتابة عامة )).لأن الكاتب العام يجب ان يختار من بين اللجنة التنفيذية عن طريق الانتخاب من بين اعضائها .وهكذا يمكن الاستغناء عن تعيين الكاتب العام الذي يختار من بين الاعضاء المعيين سلفا من الملك .
كانت هناك تجارب سابقة بإقتراح شخصيات لمناصب حساسة في الدولة كانت تتم بإقتراح من جهات مجهولة لايطلع المواطن على خلاصة تقرير بحثها عن هؤلاء الاشخاص المقترحين ،ولاحتى التوجهات التي تحكمها مما يغيب  مسؤوليتها ومسائلتها في اقتراح شخصيات غير قادرة على تدبير المرفق العمومي بل قد تتلاعب بمصالح المواطنين والاموال العام للدولة دون اي رقيب ولاحسيب لعدم الاحتياط والحذر في إقتراح اشخاص قد يضيعون مؤسسات الدولة ،في حين انه في دول أجنبية يكون هناك خطأ بسيط لعون تابعة لمؤسسة ما سببا في تقديم المسؤول عنها لإستقالته لكونه لم يحسن الاختيارولم يتخذ الاحتياطات والتوقعات اللازمة لذلك أعطي مثال ((بالحرائق التي عرفتها السجون بالمغرب لم تشهد اية إقالة للمسؤولين الذين وقوع على تسلم البنايات رغم عدم تزويدها بوسائل إطفاء الحرائق التلقائية ) ولم يبني إقتراحاته على بحوث موضوعية ،وبالتالي فإنه يتعين تحديد اللجنة علنيا التي تقترح على الملك الشخصيات التي سيعينها لشغل مناصب بالهيئة الوطنية حتى تحدد المسؤولية ،ويجب ان تتوازى فيها تمثيلية السلط الثلاثة إضافة إلى المجتمع المدني .
ومن جهة ثانية يجب ان تكون الفترة التي تعين لها الشخصية التي ستشغل رئاسة الهيئة الوطنية موازية للفترة التي ستعمل فيها الحكومة الجديدة وبالتالي تتغير مع تغير الحكومة في الاستحقاقات العامة ويكون التعيين لفترة واحدة غير قابلة للتجديد حتى لاتصاب شخصيات القانون العام بالادمان على السلطة ،ويجب على تلك الشخصية ان تعرض برنامجها للعمل طيلة فترة الولاية حتى تلتزم بتطبيقة ويمكن ان تسائل عليه بعد إنتهاءفترة ولايتها تطبيقا لما جاء بالدستور( المسؤولية تقابلهاالمحاسبة ).المادة 31 من مسودة المشروع .
هذا فإن  تركيز السلطات بيد الرئيس من خلال المواد 32ومابعدهايجعل المسؤولية فردية يتحملها الرئيس ، وإلا فالمسؤولية تكون جماعية وتضامنية في حالة تحديد برنامج العمل خلال الولاية من طرف الجمع العام للهئية والذي تتولى تنفيذه اللجنة التنفيذية .
ولابد من الاشارة إلى ان تركيز السلطات بيد رئيس الهيئة قد يؤدي إلى الاستئثار بالقرار ويسهل ممارسة الضغط على فرد واحد من الهيئة بدل توزيع الادوار على مجموعة من الاعضاء والتداول بشأنها مما يجعل أثر التأثير والضغط ضعيفا وغير ذي جدوى .و،وقد يحرج الضاغط بفضح ممارسته علنيا .اضافة إلى انه يجب حدف مهمة التصدي المباشر التي هي وظيفة قضائية لاتختص بها الهيئة الوطنية كما سبق الاشارة إلى ذلك (الفقرة 6 من المادة 33من المسودة ،كما ان تفويض بعد المهام بصفة شخصية هو عمل ذاتي يصطبغ بعدم الموضوعية وتطغى فيه التقييمات الذاتية مما يتعين حذف هذه الصلاحية  لرئيس الهيئة وإسنادها للجنة التنفيذية للمصادقة عليها (الفقرة الاخيرة ـ تفويض بعض إختصاصاته لمسؤولين بالهيئة يعينهم بصفة شخصية لهذا الغرض ـ .
المادة 34 حددت عدد أعضاء الهيئة في 29شخصية يعين 10منها الملك (طبعا بعد تأسيس لجنة معروفة للتحري والاقتراح حتى تكون مسؤولة امام الملك في حالة إقتراح شخصيات غير فاعلة وقادرة ) بالنسبة لتسعة شخصيات التي اعطي للحكومة إختيارها فهو إجراءمخالف للدستور خاصة الفصل 1 الذي ينص ((..........يقوم النظام الدستوري للمملكة على اساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها....)) إذ تم تغيب سلطتين القضائية والتشريعية وهذا ما اشير إليه سابقا لكون الآلة الفعالة التي تعطي للهيئة قوة هي السلطة القضائية بكافة مكونتها (قضاة النيابة العامة وقضاة المجلس الاعلى للحسابات ثم الشرطة القضائية بكل مكونتها[1] ( ضباط الجمارك ضباط المالية ضباط الاسواق المالية (مجلس القيم ) وغيرهم وهكذا يوزع إختيار هؤلا التسعة بنسبة 3شخصيات لكل سلطة 3قضاة (قاضي بمحكمة النقض ومحامي العام بمحكمة النقض وقاضي بالمجلس الاعلى للحسابات )3 شخصيات بالحكومة  موظف سامي بالادارة الداخلية وموظف سامي (بالمالية او العدل ـ من غير القضاة ـ )موظف سامي بالخارجية 3 اعضاء من السلطة التشريعية يختارون حسب التمثيلية برلمانين من الاغلبية وبرلماني من الاقلية ـ
وبالنسبة لعشرة شخصيات الذين يختارون من بعض المؤسسات العامة والمهنية لابد ان يكون من بين اعضائها
ـ احدالضباط (أو ضابطين برتبة ـ كونيل أو جنيرال من المفتشية العامة للقوات المسلحة الملكية )السامين للجيش مختصين في مجال المحاسبة والتدبير الاداري المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والتجربة.
ـ أحد ضباط الشرطة القضائية الساميين المتخصصين في مجال محاربة الفساد المالي والادارية والمشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والتجربة .
ـ جمعية هيآت  المحامين بالمغرب
ـ غرفة الموثقين...........الباقي لايتغير ......))
 مازالت المادة 35تتضمن عبارة (مكافحة ) التي يجب ان تستبدل بالمحاربة .
وبالنسبة للمادة 39 من المسودة فأشارت الى كون اللجنة التنفيذية تتكون من تسعة اعضاء 3 من بين الذين إختارهم الملك فيجب إستبدال (ثلاثة اعضاء من بين الاعضاء الممثلين للحكومة ) لكونها غير دستورية كما سبق الاشارة الى ذلك فتكون هكذا ( ثلاثة اعضاء ممثلين للسلطات الثلاثة ( قاضي وعضو من البرلمان ثم عضو من الحكومة ) ،والمادة 46 اعطت للملك صلاحية تعين الكاتب العام مع ان هذه المهمة يمكن ان تسند للجنة التنفيذية ان تختار من هو مؤهل للقيام بهذه المهمة بعد المناقشة والتصويت .
وتركز المادة 48صلاحيات رئيس الهيئة في تعيين رؤساء اللجن الجهوية مع ان هذه الصلاحية كما سبق إنتقادها قد تعتمد على معايير ذاتية اكثر من موضوعية ويتعين إعطاء هذه الصلاحية للجنة التنفيذية .
الباب الثالث: التنظيم الاداري والمالي للهيئة الوطنية
في الباب الثالث ماقبل الاخير والمتضمن للتنظيم الاداري والمالي للهيئة الوطنية ،كان الاحرى تخصيص المادة 50منه  لتنصيص على جعل الميزانية المخصصة للهيئة الوطنية
تناقش من طرف البرلمان حسب البرنامج السنوي لجدول الاعمال المسطر من طرف الهيئة بدل إعادة التذكير بإستقلالها المالي والاداري والذي سبق النص عليه بالمادة 1.
وهكذا تكون المادة 50 على الشكل التالي (( تتمتع الهيئة الوطنية بميزانية ترصد لها للقيام بمهامها تعرض على البرلمان وفق برنامج العمل السنوي الذي صادق عليه الجمع العام ،وتخضع للمناقشة والتصويت وتخضع للمراقبة البعدية حسب قواعد المحاسبة العمومية بعد إنتهاه كل ولاية .))
ويلاحظ على المادة 51انها تضمنت عبارة إعانات مالية وكذلك الهبات والوصايا وهذه العبارات تنم عن المساس بإسقلالية الهيئة الوطنية ، المفروض فيها القوة وليس الضعف مما يتعين تغيير تلك الكلمات موازاة مع المهام الجسيمة للهيئة الوطنية ، ويمنع عليها تلقي اية هبات او وصايا  خارج الميزانية المخصصة لها وإلا سنقدم لها (رشوة لمحاربة الفساد ) ثم إنه يجب التنصيص على ان مؤسسة الكتاب العامون الجهويين يعتبرون آمرين بالصرف بقوة القانون دون تعيين من رئيس الهيئة .
من حيث مراقبة حسابات الهيئة يجب التنصيص على ان لجنة التدقيق والافتحاص المنصوص عليا بالمادة 54 يجب تعينها من طرف الجمع العام والتصويت عليها بعد الاعلان على العروض وفق دفتر التحملات ويكون التقرير محل نقاش وتصويت من طرف الجمع العام او رفضه .
الباب الرابع :  أحكام ختامية
والباب الرابع هو مخصص للأحكام الختامية التي لاتتضمن اية ملاحظات بشأنها .
وختاما فإن تعديل هذه النصوص المنتقدة لابد ان يعرف إنتقادات متسلسلة قصد التطلع لماهو احسن في وضع مؤسساتقادرة على تخليق الحياة الاقتصادية والادارية  ،و التنزيل للهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الفساد على ارض الواقع ،هو الذي سيحكم على فعالية هذه المؤسسة او فشلها (وإن يعلم الله في قلوبكم خيرا يوتيكم خيرا )صدق الله العظيم والله ولي التوفيق .
إنتهى بحمد الله وقوته بتاريخ15ربيع الاول 1434هجرية الموافق ل 27يناير 2013
                        إنجاز ودراسة لعبد ربه محمد عنبر رئيس غرفة بمحكمة النقض
                                    ونائب رئيس نادي قضاة المغرب



[1]  من المطالب التي جاء بها النادي هي فصل الشرطة القضائية عن الادارة العامة لأمن العمومي وجعلها تابعة للسلطة القضائية الممثلة في النيابة العامة تفاديا لإزدواجية التعليمات التي قد تكون صادرة من السلطة التنفيذية .

dimanche 17 février 2013

نمودج لمحاربة الفساد بمدينة هونج كونج




إرسال بالبريد الإلكترونيكتابة مدونة حول هذه المشاركةالمشاركة في Twitterالمشاركة في Facebook

كتاب "التغلب على الفساد" لبرتراند دوسبيفيل في ترجمة عربية
خلاصات تجربة في مكافحة الفساد
* جمال الموساوي

الفساد واحدة من بين أكثر القضايا المثارة اليوم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى جانب الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولاحظنا كيف أن محاربة هذه الظاهرة كانت في قلب الحراك الاجتماعي والسياسي الذي عرفته المنطقة منذ أواخر سنة 2010، وأدى إلى حدوث تغيير كبير في نظرة سكانها إلى المستقبل بحيث بات العيش الكريم مرتبطا بالمرور إلى اعتماد القواعد الديمقراطية في الحكم، والعمل على محاربة الفساد كشرطين لازمين للقضاء على الفقر والبطالة وتحقيق الإنصاف والمساواة.

وإذا كان من السابق لأوانه تقييم ما آلت إليه الشعارات التي رفعتها الشعوب في ما يتعلق بإسقاط الفساد، بالنظر من جهة إلى عامل الزمن بحيث إن ثلاث سنوات مدة قصيرة، ومن جهة أخرى إلى استمرار الحراك (والمعارك) في أكثر من منطقة بما في ذلك البلدان التي عرفت تغيير الأنظمة السياسية التي كانت تحكمها وتتحكم فيها ، فهذا لا يمنع من التأكيد أن مكافحة الفساد قد انتقلت من الخطاب والمنصات إلى الشارع الذي أصبح ضغطه يزداد قوة ووزنا.

في سياق مماثل يبرز سؤال هام وأساسي يتعلق بالطريقة الأكثر فعالية ونجاعة لمكافحة الفساد. هذا السؤال يجد مشروعيته في كون ظاهرة الفساد نفسها معقدة وتتداخل فيها أبعاد متعددة بين الثقافي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، بالإضافة إلى تنوع أشكاله وتعدد مخاطره، كما يجدها في تعدد الأدبيات التي تناولت الظاهرة بالدراسة والتحليل إلى حد يجعل صناع القرار في بلد مقبل على هذه الحرب في حيرة من أمرهم فلا يكادون يهتدون سبيلا.

في هذا الإطار يبدو الاستئناس بالتجارب الدولية في هذا المجال واحدا من مفاتيح النجاح التي لا غنى عنها، وهو ما قامت به دول كثيرة أغلبها مصنف في أفضل المراكز في مؤشر إدراك الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية العالمية سنويا وباقي المؤشرات الأخرى التي تعنى بالشفافية والنزاهة.

وإسهاما في العمل من أجل تحقيق هذا الهدف، أي تعميم المعرفة بالتجارب الناجحة، أصدرت الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة والمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب الترجمة العربية لكتاب برتراند دو سبيفيل "OVERCOMING CORRUPTION" الذي يعد مرجعا أساسيا في مجال محاربة الفساد لاعتبارات أهمها أنه موجه أولا "إلى صناع السياسات والمشرعين الذين أنيطت بهم مسؤولية قيادة بلادهم للخروج من مستنقع الفساد" ص 9، وبالتالي فهو ليس كتابا لاستعراض الأدبيات المرتبطة بالفساد ومسبباته وانعكاساته، وليس كتابا أكاديميا مليئا بالأفكار النظرية التي قد يكون تطبيقها ممكنا وقد لا يكون، بل هو خلاصة تجربة شخصية للمؤلف الذي مارس بشكل فعلي العمل ضد الفساد، وهو ما يشير إليه عبد السلام أبودرار رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة في المغرب على ظهر الغلاف بقوله " إن هذا الكتاب ليس بحثا نظريا غارقا في استعادة الأدبيات الكثيرة التي كتبت حول موضوع الفساد، بل هو ثمرة تجربة ناجحة في مكافحة الفساد بشكل فعلي. على هذا الأساس لا يسعى مؤلفه برتراند دو سبيفيل، وهو الذي كان رئيسا للجنة المستقلة لمحاربة الفساد في هونغ كونغ، لإعطاء دروس للدول أو المسؤولين عن مكافحة الفساد بل يضع بين أيديهم خلاصة عمل عميق قاد هونغ كونغ لتكون نموذجا دوليا في هذا المجال".

يتناول هذا الكتاب الموزع على عشرة فصول، ما يعتبره المؤلف العناصر الأساسية لأي سياسة يراد لها أن تكون ناجحة في ما يتعلق بمكافحة الفساد، فيستعرض بشكل مبسط وبأسلوب سهل أهم القضايا والأسئلة التي يواجهها صناع القرار في هذا الشأن.

ويبقي أبرز هذه الأسئلة، عندما يتعلق الأمر بالإقدام على قرار استراتيجي من قبيل مكافحة الفساد، هو ذلك المتعلق بمدى توفر الإرادة السياسية التي تدعم مثل هذا القرار وتمنحه القوة اللازمة للمضي به إلى أبعد الحدود الممكنة، أي متابعة الفاسدين مهما كانت مناصبهم وأوضاعهم في هرم الدولة. إلا أن هذه الإرادة على أهميتها في رأي المؤلف غاية في الهشاشة وتحتاج بدورها إلى دعم ومساندة سواء من طرف المحيطين بالمسؤول المعبر عنها أو من طرف عموم المجتمع فهي" تنطفئ بسهولة كما ينطفئ لهب الشمعة. وهي تحتاج إلى الرعاية والتشجيع" ص 36.

هذا الدعم قد لا يتوفر بالقدر اللازم والضروري لتحقيق الأهداف المرسومة في ما يتعلق بشكل خاص بالتقليص من حدة الفساد. لأن طبيعة المطالب بإسقاط الفساد هي طبيعة استعجالية تتغيا الوصول إلى النتائج في أمد قصير وأحيانا قصير جدا، وهذا واضح في شعارات الربيع العربي مثلا، وأيضا في الإجراءات التي شرع في اتخاذها الحكام الجدد في مصر وتونس على سبيل المثال خاصة في الشق المتعلق باسترداد الأموال التي تم نهبها وتهريبها إلى الخارج.

يعتقد المؤلف، وهو رأي يشاطره فيه العديد من الخبراء العاملين في المجال، أن المعركة ضد الفساد تحتاج إلى"النضال الطويل والمكلف والمؤلم من أجل النجاح" ص 36 . بمعنى آخر لا يمكن الحصول على نتائج ذات أهمية دون "تحمل وصبر" من لدن مختلف المتدخلين خاصة منهم المواطنون الذين يشكلون الضحية الأولى للفساد إن بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر. ويشبه دو سبيفيل الفساد بالداء المزمن والمستفحل الذي يحتاج علاجه إلى تضحيات جسام ليس أقلها الصبر للعلاج الكيميائي !

بالإضافة إلى الإرادة السياسية والدعم المجتمعي لها، تحتاج مكافحة الفساد إلى إستراتيجية وطنية، يذهب المؤلف إلى القول إنها تتأسس على ثلاثة مرتكزات تسند بعضها بعضا هي"التحقيق والملاحقة ، والوقاية عبر تطوير المساطر والأنظمة، ثم التربية والتوعية باعتبارهما ضروريين لمحاربة الفساد الأجيال الناشئة وتغيير النظرة المجتمعية المتسامحة معه أو التي تجعل منه شرا لا بد منه ولا غنى عنه. ويجب لنجاح هذه الاستراتيجية أن تكون أهدافها واضحة وقابلة للتحقيق والقياس داخل آجال محددة ووفق معايير متعارف عليها.

ويسوق المؤلف ضمن هذه المعايير، بالإضافة إلى ملاءمة القوانين الوطنية المتعلقة بمكافحة الفساد، ضرورة إنشاء هيئة أو وكالة خاصة (وحيدة) تكون مهمتها الأساسية "قيادة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد" (ص 54)، كما يطلب منها "أن تدفع بعناصر الاستراتيجية الثلاثة إلى الأمام بما يلزم من تزامن وتنسيق" (ص 55)، وتتلخص السمات الأساسية لهذه الهيئة في استقلاليتها عن كل أجهزة الدولة الأخرى، وخضوعها للمساءلة ما دام تمويلها من المال العام أي من ميزانية الدولة، ثم تمكينها من أدوت كافية للعمل من موارد بشرية ومالية ودعم حكومي من خلال "وضع التوصيات المتعلقة بالوقاية من الفساد الصادرة عن هيئة محاربة الفساد موضع التنفيذ" (ص 76).

يركز الكتاب أخيرا، على أمر بالغ الأهمية، هو إشراك فعاليات المجتمع في العمل ضد الفساد، وهو ما انتبهت إلية اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (2003) خاصة في مادتها 13 التي تنص على أنه " تتخذ كل دولة طرف تدابير مناسبة ، ضمن حدود إمكاناتها ووفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي ، لتشجيع أفراد وجماعات لا ينتمون إلى القطاع العام ، مثل المجتمع الأهلي والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المحلي ، على المشاركة النشطة في منع الفساد ومحاربته ، ولإذكاء وعي الناس فيما يتعلق بوجود الفساد وأسبابه وجسامته وما يمثله من خطر".

في هذا الإطار يعتبر المؤلف أن مكافحة الفساد ليست مهمة الهيئة أو الحكومة فقط، بل إنهما لن تتمكنا من النجاح مهما كانت قوة ووجاهة السياسات والإجراءات التي سيتم اللجوء إليها والعمل بها، وهو بذلك يحجز دورا مهما لقوى المجتمع في هذه المعركة، خاصة إذا تم إشراكها منذ البداية في صياغة تلك السياسات لأن "من شأن أخذ الحكومة عناء التشاور على عاتقها على الفور مع المجتمع أن يشجع الناس على التعبير عن آرائهم، وهي آراء ستؤخذ بعين الاعتبار عن صياغة خطة تنفيذ الاستراتيجية" (ص 72).

ويختتم دوسبيفيل كتابه باستعراض عدد من المطبات التي قد تواجه التصدي للفساد. ونكتفي بالإشارة هنا إلى أن ضعف الإرادة السياسية يظل أحد أكبر العوائق في هذا المجال، لذلك يتوجب كلما لاحت بارقة تفيد بأن هذه الإرادة قد بدأت تتبلور أن يتم السهر على إنضاجها ودفعها إلى الاستمرار، فحماس البداية الذي قد تعبر عنه حكومة وصلت حديثا إلى الحكم، يتقلص في الغالب رويدا رويدا مع الاصطدام بالواقع.

عنوان الكتاب: التغلب على الفساد
THE ESSENTIALS OVERCOMING CORRUPTION
المؤلف: برتراند دو سبفيل
الناشر: la Croisée des Chemins
طبعة أولى 2012- الدار البيضاء- المغرب
عن الناقل بدون عوض الاستاذ الفاضل فاتح كمال 

mercredi 13 février 2013

الجزء الثاني من التعليق على مسودة قانون الهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الفساد


الجزء الثاني من التعليق على مسودة قانون الهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الفساد

الفصل الثاني :محاربة الفساد((والتصدي المباشر لأفعاله ))
 هذا وان الفصل اعلاه وإن كان  يتضمن دور الهيئة الاستشاري وإبداء الراي فلا يمنع من التذكير بدورها الأساسي وهو محاربة الفساد ،وهذا هو عنوان الفصل الثاني الذي يتضمن 15مادة لكن الملاحظ هو إضافة عبارة للعنوان ((محاربة الفساد والتصدي المباشر لأفعاله ))

فعبارة التصدي تعني في الاصطلاح القانوني  المعالجة والمجلس الاعلى سابقا ((محكمة النقض حاليا)) وهو حينما يرى ان القضية جاهزة للبت فيها في الموضوع بدون نقضها وإرجاعها لمحكمة الاستئناف يتصدى للقضية ويبت فيها، وهذه الصلاحية الغيت وهذا هو التعبير الحقوقي للكلمة الفصل الملغى من المسطرة المدنية368((إذا نقض المجلس الاعلى الحكم المعروض عليه واعتبر انه يتوفر على جميع العناصر الواقعية التي ثبتت لقضاة الموضوع بحكم سلطتهم تعين عليه اعتبارا لهذه العناصر وحدها التي تبقى قائمة في الدعوى التصدي  للقضية والبت فورا في موضوع النزاع او في النقط التي استوجبت النقض.))،يبدوا ان عبارة التصدي المباشر التي إستعملت هنا تعني غصب الاختصاص من يد السلطة القضائية وعدم احالة  احد الافعال الذي تم إكتشافها على القضاء ، والتصدي المباشر لها،كانها تعطي إمتياز للمخالفين بالاكتفاء بمعالجة إشكاليتهم في مرحلة قبل القضائية والتي هي إدارية وتتسم بمعالجةسرية و غير علنية وتدخل في خانة التوافقات السرية على مصالح الوطن ،إذ القضاء هو السلطة الوحيدة التي تعالج الامورعلنيا ،  وهذه مهمة أضافتها مسودة القانون لصلاحيات الهيئة مما يجعلها تتسم بمخالفة الدستور خاصة الفصول المنظمة للهيئة لكونها ليست هيئة للبت في القضايا اكثر ماهي هيئة للبحث والتحري عن المخالفات المنصوص عليها بالدستور وإحالتها على الجهة القضائية المختصة المجلس الاعلى للحسابات او القضاء العادي .
فالمادة 15يمكن إعطائها صياغة ملائمة لها (( تتلقى الهيئة التبليغات والشكايات والشكايات المجهولة المصدر بالحالات المتعلقة بأفعال الفساد التي تدخل في إختصاصها وتلك الواردة بالجرائدووسائل الاعلام ايضا،  وتقوم بالبحث والتحريات اللازمة بالاستعانة بالنيابة العامة والشرطة القضائية إن إقتضى الامر ذلك .))
ويمكن تعديل صياغة المادة 16 ((تقوم الهيئة الوطنية تلقائيا بجميع عمليات الرصد والبحث والتحري اللازمة للتاكد من حقيقة الوقائع والافعال التي تصل إلى علمها كما يمكنها أن تطلب من الجهات المعنية جميع التوضيحات والوثائق اللازمة .))
أما المادة 17 يبدوا انها تتضمن بعض الفتور والوهن في الصياغة والتساهل مع الخاضعين لعملية البحث والتحري وغياب عنصر المباغة والفورية ،وحتى تكون الصياغة شاملة لبعض القوة والجبر فيمكن إستبدال الصياغة كما يلي ،((يجب على الادارت والمؤسسات العامة والخاصة والهيئات المعنية أن تسهل للهيئة الوطنية والمأمورين التابعين لها والمكلفين بالبحث والتحري الولوج للمعلومات اللازمة وقواعد المعطيات متى طلب منها .
ويمنع عليها الاعتراض على عمليات الرصد والبحث والتحري التي تقوم بها الهيئة الوطنية في إطار إختصاصاتها وكل عرقلة أو احتجاج بالسر المهني يكون محل متابعة ومسائلة جنائية طبقا للقانون الجنائي .))
تمت مناقشة مدى إستقلالية الهيئة الوطنية عن باقي السلط في اليوم الدراسي لمسودة القانون والتي عقدت بمعهد التهيئة والتعمير يوم 22يناير 2013 بالرباط ،فتم التعقيب على احد المتدخلين بعدم إطلاعه جيدا على المسودة لكون الامر يتعلق بهيئة دستورية مستقلة غير تابعة للوزير الأول (رئيس الحكومة )مع ان الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة التي قدمت المسودة حاليا تعمل تحت سلطة رئيس الحكومة ولابد ان يتم صياغة مشروعها بلون الحكومة الحالية ولايمكن السير خلاف توجهتها ،والواضح من المادة 18 هو انها تكرس مدى تبعيتها للحكومة مع ان الامر يتعلق بمؤسسة دستورية ،أوكل لها الدستور محاربة الفساد أينما كان داخل ربوع البلاد وخارجه ،والمشروع كلما تعلق الامر بمسائل يسميها (الدفاع الوطني والأمن الداخلي أو الخارجي للدولة )أخبر رئيس الهيئة الوطنية رئيس الحكومة وهذا الفصل يؤكد صراحة تبعية الهيئة لرئيس الحكومة وهذا يمس بإستقلاليتها مع انها مؤسسة دستورية .
 فالمادة 18 نزعت الصلاحيات التقديرية من رئيس الهيئة الوطنية حول تقدير الابقاء على كتمان السر أو رفعه، واعطته لرئيس الحكومة مع انها مستقلة عنه، وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن تشكلة الهيئة وهل تتضمن ضمن أعضائها شخصيات امنية وعسكرية مشهود لها بالنزاهة والتجربة والكفاءة في مجال المحاسبة والادارة للهيئات المذكورة ،ويجب على القانون أن ينص على ذلك حتى تتم دراسة هذه المسائل المتعلقة بالسرية والكتمان داخل الهيئة الوطنية بدون إعطاء الاختصاص لجهة خارجة عن الهيئة .
وهكذا تساغ المادة 18 على الشكل التالي (( عندما تتعلق عمليات الرصد والبحث والتحري المذكورة بالفصل اعلاه بالدفاع الوطني أو الأمن الداخلي أو الخارجي للدولة ،أصدرت الهيئة قرارا معللا بعد إستشارة اعضائها المكونين لها والمتخصصين في المجال المذكور بالابقاء على كتمان السر أورفعه ،تكون الهيئة ملزمة بضمان سرية التحريات والابحاث.))
وتكرر المادة 19كذلك نفس الاتجاه بالمس بإستقلالية الهيئة عن السلطة التنفيذية الممثلة في رئيس الحكومة ،وذلك حين نص على رفع تقرير إلى رئيس الحكومة بعد إشعار رئيس الادارة المعنية قصد إتخاذ التدابير لمنع سلوك إداري قد يعرقل عمل الهيئة ،مع ان الفصول السابقة التي تم إقتراح تعديلها تجعل هذا المنع عملا مجرما ولايدخل ضمن مصطلح السلوك الاداري بل يشكل عرقلة للبحث ،وان الامر لايتوقف على اي إشعار لرئيس الادارة المعنية ولا لرفع تقرير إلى رئيس الحكومة حتى تضيع مصالح البلاد في الروتين الاداري وتفوت الفرصة لضبط حالات تشكل مخالفات جرمها القانون الاسمى .
ولهذا يمكن الاستغناء عن هذا الفصل إو إستبداله بمقتضيات تشعر السلطات المعنية بإتخاذ الاجراءات الجزائية ضد من تسبب في هذه العرقلة .
وتكون المادة 19على الصيغة التالية تقوي وتساند اعمال الهيئة ((تقوم الهيئة الوطنية برفع تقرير إلى الجهات المعنية تشعرها فيه بإتخاذ الاجراءات الجزائية وضبط وإحالة كل شخص  تسبب في عرقلة عمل اللجنة على الجهات القضائية المختصة لإتخاذ ماهو لازم قانونا )).
المادة 20 تعطي إنطباعا بكون ضباط الشرطة القضائية واعوانها هم يشكلون جزاء من الهيئة مع ان الفصول السابقة اقصتهم من هذا المجال وجعلتهم فقط تحت الخدمة عندما يطلب منهم ذلك من طرف الهيئة، في حين انهم يشكلون جزاء ضروريا  من الآلية التي بدونها لايمكن للهيئة ان تفعل عملها وتعطيه قوة وقهرا وجبرا ينم على قوة مؤسسات الدولة وسيادة القانون، لذا يجب الانطلاق من هذه المادة على أن قضاة النيابة العامة و الشرطة القضائية واعوانها هم من مكونات الهيئة الوطنية ممثلين برؤسائهم الاعليين وهكذا يمكن إعادة صياغة هذه المادة على الشكل التالي ((ينتذب رئيس الهيئة الوطنية المأمورين التابعين لها للقيام بعمليات الرصد والبحث أو التحري المشار إليها اعلاه ،ويمكن ان يؤازروا بقضاة النيابة العامة وبعناصر الشرطة القضائية وأعوانها إن إقتضى الامر ذلك.
يؤدي هؤلاء المأمورون المنتدبون اليمين القانونية قبل ممارسة مهامهم امام السلطة القضائية ، (محكمة الاستئناف بالرباط )ويلزمون بكتمان السر المهني طبقا للتشريعات الجاري بها العمل  )).
ويمكن صياغة المادة 21 باسلوب مغربي اكثر سهولة (( لماموري الهيئة المنتدبون لغاية البحث والتحريات الحق في الاطلاع على كافة الوثائق والمستندات للوصول إلى المعلومات حول الافعال موضوع البحث .
كما لهم الحق في القيام بمعاينات والاطلاع على البيانات الواردة في التصريحات بالممتلكات وبتضارب المصالح ،بتنسيق مع السلطة القضائية والمجلس الاعلى للحسابات
والاستماع إلى كل شخص يفيد في البحث ويمكنهم رفع تقرير إلى النيابة العامة لإستقدام كل شخص يرفض المثول امام ماموري الهيئة واتخاد الاجراءات القانونية ضده في حالة رفض الادلاء بالتصريحات .))
ويمكن في المواد التالية 22و23الجمع بين مهمة الاشتراك والتكليف للقيام بمهام من طرف الهيئة الوطنية إستنادا لأساسين أولا ان السلطة القضائية والشرطة القضائية هما مكونين وجزء من الهيئة ولايمكن تغيبهما، وبالتالي فهم مشتركون تلقائيا في القيام بهمام محاربة الفساد، و الاساس الثاني انه يمكن للهيئة الوطنية ان تنتذب خبراء في مهمة معينة من طرف اشخاص يعملون بالمفتشيات العامة للوزارات بعد موافقتهم للقيام بتلك المهمة .وهكذا تصاغ كل من المادة 22و23 في مادة واحدة على الشكل التالي  ((للهيئة الوطنية ان تنتذب او تكلف  تحت إشرافها مفتشين تابعين للمفتشيات العامة للوزارات في إجراء عمليات مشتركة للبحث والتحري والرصد ضد افعال الفساد ،ويمكن للنيابة العامة والشرطة القضائية أن تتدخل في العملية إن إقتضى الامر ذلك ،وعلى الجهة المنتذبة او المكلفة ان ترفع نتيجة اعمالها للهيئة الوطنية .
والواقع ان تدخل الشرطة القضائية في عمليات محاربة الفساد هو من إختصاصها الاصلي بحيث أنها تشكل عنصرا مكونا للهيئة الوطنية وهي آلية فعالة لمحاربة الفساد وان اعملها الواقعية تؤطر قانونا بقضاة النيابة العامة الذين لهم نفس الوضع داخل الهيئة الوطنية كما انه يكون نفس الوضع القانوني للمفتشين المنتدبين من الهيئة الوطنية الذين هم مستقلين عن المفتشيات التي يعملون بها بالوزارات حين إنتدابهم للعمل مع الهيئة ويلزمون بكتمان السرالمهني اتجاه رؤسائهم الاصليين حول ماتم تكليفهم به من طرف الهيئة تحت طائلة المسائلة ، مما يتعين إلغاء عبارة ((المفتشون التابعون للمفتشيات العامة )) حتى لايستنتج انهم يخضعون لتعليمات رؤسائهم الاصليين ، وبالتالي تخضع الاعمال المتمثلة في المحاضر والمعاينات والتقارير للقانون العام وهو المسطرة الجنائية .وهكذا يمكن صياغة المادة 24 من قانون الهيئة (( ينجزالمامورون التابعين للهيئة الوطنية و المفتشون العاملين بالمفتشيات العامة  المنتدبون وضباط الشرطة القضائية بجميع تخصصاتها محاضر وتقارير تتضمن نتائج عما قاموا به من اعمال لفائدة الهيئة الوطنية تذيل بتوقيعهم وترفق بالوثائق والمستندات المتعلقة بمهام المسندة إليهم وترفع إلى رئيس الهيئة الوطنية .
تسري على هذه الاعمال والمحاضر والتقارير الاحكام المنصوص عليها بالمسطرة الجنائية .))
لابد من الاشارة مرة اخرى إلى كون عملية التصدي أو حتى مايسمى بمعالجة الشكايات من طرف الهيئة لأعمال الفساد هي غصب للإختصاص القضاء وتجاوز للسلطات التي من أجلها انشأت الهيئة فهي هيئة منشأة لمحاربة الفساد الاقتصادي والإداري اي القيام بعمليات الاستشارة والوقاية و الرصد والبحث والتحري فهي هيئة تبدي الراي متى طلب منها من الجهات الاقتصادية او الادارية ومن جهة ثانية فهي هيئة للقيام بالابحاث والتحريات والكشف عن مكامن الفساد فقط وإحالة نتائجها إلى السلطة القضائية ( المجلس الاعلى للحسابات او القضاء العادي )وذلك إحتراما لمبادئ المحاكمة العادلة والمتمثلة في فصل جهة البحث عن جهة المتابعة لأن عمل الهيئة هو عمل جمع الادلة والبحث التحري وهذه المرحلة تتسم بصفة السرية اما جهة المتابعة والمحاكمة فهي القضاء المختص والذي يعالج الامور علنيا حفاظا على مبدأ المحاكمة العادلة الذي يتسم بحق الدفاع والتواجهية بين الاطراف امام القضاء .
والمادة 25التي تضمنت مايسمى (حق التصدي ) المنتقد اعلاه يمكن إعادة صياغتها ((إذا خلصت نتائج البحث أو الرصد او التحري التي قامت بها الهيئة الوطنية إلى وجود أخطاء في التدبير المالي أو الاداري متعلقة بمحاربة الفساد أشير إلى ذلك في نتائج تقرير الاحالة على الجهة القضائية المختصة التي تملك كامل الصلاحية للبت في التقرير المرفوع إليها طبقا للقانون على ان تلزم بإخبار الهيئة بمآل الملف في اقرب الآجال متى تم إتخاد الإجراء القانوني المتعلق به .))
بهذا نكون قد إحترمنا مبدأ استقلال السلطة القضائية عن اية جهة وكذلك إستقلال الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد ،اما إذا كانت نتائج البحث تتضمن مخالفات خطيرة لما هو معاقب عليه بمقتضى الدستور والقانون الجنائي والقوانين الجنائية الخاصة فيتم تضمين ذلك بنتائج تقارير الهيئة الوطنية، ويمكن ان توقف المحاكمة التأديبية التي اجريت في حق المتورطين قبل إكتشاف هذه الافعال المجرمة أو انه تحال نتائج التقرير إلى الجهة القضائية المختصة التي لها كامل الصلاحية لأن تامر بالمتابعة الجنائية وتؤجل الاحالة على المسائلة التأذيبية إلى حين صدور احكام نهائية ضد المتورطين الذين يحالون وجوبا عليها إن كانوا اعوان الدولة .
ولابد من الاشارة إلى ان الافعال المتعلقة بالفساد المالي تحال كلها على المجلس الاعلى للحسابات وانه تكون للمجلس كامل الاستقلالية لإحالة القضية على المسائلة التأذيبية إذا كانت هناك مجرد اخطاء في تدبير المالي ولاترقى إلى درجة سوء نية والفساد أما إن رأى ان المسألة تدخل في خانة الفساد المالي والاقتصادي احال القضية إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض الذي لايملك سوى تطبيق القانون كما نص عليه الدستور وهذا يسجد المطالب التي ينادي بها القضاة والمتعلقة بإستقلال النيابة العامة على السلطة التنفيذية خاصة عضوها المهيمن عليها (وزير العدل ) حتى لاتتلون التعليمات القضائية بمصالح حزبية وتطبيقا للتحالفات السياسية .
ويمكن صياغة المادة 26 و27 في مادة واحدة على الشكل التالي ((أما إذا خلصت نتائج البحث أو الرصد او التحري التي قامت بها الهيئة الوطنية إلى وجود أفعال مجرمة يعاقب عليها القانون الجنائي والقوانين الجنائية الخاصة وتدخل ضمن ماحدد بالدستور في الفصل 36 ترفع الهيئة نتائج الابحاث مرفقة بالوثائق والمستندات  إلى الجهة  القضائية المختصة ( المجلس الاعلى للحسابات أو القضاء العادي )لإتخاذ مايلزم قانونا وإخبار الهيئة بذلك.))
وفي إطار تتبع الهيئة لنتائج اعمالها ومجهودات اعضائها في محاربة الفساد وحتى تضمن ذلك تقريرها السنوي الذي ترفعه للبرلمان بواسطة رئيس الهيئة وتنفيذا للفصل الأول من الدستور ((....يقوم النظام الدستوري للمملكة على اساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها ،والديموقراطية المواطنة والتشاركية وعلى مبادئ الحكامة الجيدة ،وربط المسؤولية بالمحاسبة ....))فتلزم الجهة القضائية المحال عليها الملف بإخبار الهيئة بالقرارات المتخدة في الملف في جميع مراحله ،وهكذا يمكن صياغة المادة 28من المسودة على الشكل التالي ((يتعين على الجهة القضائية التي أحليت عليها نتائج الابحاث المنجزة من طرف الهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الفساد أن تشعر الهيئة الوطنية  بكل قرار تم إتخاده بشأنها في آجال معقولة .)) وحتى نضمن استقلالية السلطة القضائية ايضا فهي ملزمة قانونا بتعليل اي قرار تتخذه كما نص على ذلك الدستور في فصله 110(( ....يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون ،كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها .))وهذه السلطة هنا ليست إلا السلطة القضائية وليست السلطة التنفيذية التي يخضع لها وزير العدل ، وتبقى المناقشة حول مؤسسة المجلس الاعلى للحسابات الذي جاء في الباب العاشر من الدستور كمؤسسة دستورية مستقلة هل هي تدخل ضمن السلطة القضائية ام تشكل جهة قضائية مستقلة ومتخصصة ؟

وناقش بعض المتدخلين في اليوم الدراسي المشار إليه اعلاه مسألة عدم المساس باستقلالية السلطة القضائية، واعتبروا ان عدم النص على إحالة بعض الافعال مباشرة على السلطة القضائية هو خوف من المساس باستقلالية القضاء المنصوص عليه دستوريا ،وهذا ينم على ان الجهة التي أنجزت المسودة غير ملمة بالمسائل التقنية للسلطة القضائية وكيفية سيرها مما يكون معه تغييب الآليات الضرورية في عمل الهيئة الوطنية في وضع هذه المسودة عيبا قد يمس بعمل الهيئة مستقبلا .
فلتحديد مجال العمل القضائي من مجال البحث والاستشارة والرصد الذي تختص به الهيئة الوطنية يمكن التمييز بين مرحلتين الاولى تتسم بالسرية وجمع المعلومات والوثائق والاستماع للمصرحين وكذا للمعنيين بالأمر وهذه كلها مرحلة غير قضائية ولايمكن ان تدمج فيها إحدى مراحلها مثل ماسمته المسودة ( معالجة الشكايات او التصدي المباشر ) فعبارة المعالجة والتصدي يجب ان تاخذ مفهوما يقتصر على البحث والرصد وجمع المعلومات، لاغيره الذي يمتد للعمل القضائي وأنه حتى لايقع هناك إلتباس وتداخل في عمل الهيآت الدستورية المكلفة بمحاربة الفساد سواء منها الادارية اوالقضائية يتعين حدف هذه العبارات من مسودة قانون الهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الفساد ،وبمجرد رفع الهيئة الوطنية يدها على ملف البحث الذي سطرت نتائجه في تقريرها ورفعته للجهة القضائية إلا تبدأ المرحلة القضائية والتي ماهي إلا تقييم ومعالجة وتصدي لعمل الهيئة الادارية السري وذلك بالعلنية الممثلة في المحاكمة العادلة والتي تبدأ فيها صناعة القرار القضائي ،و من ضمن مبادئها هو فصل جهة البحث عن جهة المتابعة والملاحقة ثم يليها مبدأضمان حق الدفاع والتواجهية بين الخصوم امام القضاء الذي يعالج الامور علنيا. وهكذا يلاحظ على المادة 29من المسودة انها تمس وتتقاطع مع مايدافع عنه(( نادي قضاة المغرب )) في إستقلالية النيابة العامة عن وزير العدل الذي يستعمل هذه الآلية لغاية ضيقة تخص حزبه الحاكم مما يمس باستقلالية النيابةالعامة ،ويحتج المدافعون عن بقاء النيابة العامة تحت سلطة وزير العدل بالمادة 51 من قانون المسطرة الجنائية في تفسير خاطىء لمعنى الاشراف على تنفيذ السياسة الجنائية ، فهذا المرحلة تأتي بعدية لتنفيذ قرارت المحاكم لاقبل مرحلة صناعة القرارات والمحاكمة ،وبالتالي يبقى تدخل وزير العدل في تنفيذ السياسة الجنائية بإعتباره عضوا في السلطة التنفيذية مكلف بالتنفيذ في مرحلة بعد صناعة القرار لاقبله، و يجب ان تتبتعد عنه النيابة العامة لأنها هي الآلية التي تحرك صناعة القرار ويبقى اشرافه بعدي لتنفيذ القرارات والاحكام المدنية والجنحية وكذا تنفيذ الاتفاقات الدولية، والاحكام و العقود بعد ان تذيل بالصيغة التنفيذية من طرف القضاء الوطني،وان ينفذ كذلك قرارات تسليم المجرمين بعد صدور قرارات عن محكمة النقض بالموافقة على ذلك ،وان الذي يضع السياسة الجنائية هي القوانين التي تضعها وتقررها السلطة التشريعية  بواسطة مشاريع مقدمة من طرف السلطة التنفيذية او إقتراحات قوانين من طرف السلطة التشريعية .
وبالتالي تبقى الغاية من المادة 29 من المسودة مخالفة للقانون وغير دستورية لمخالفتها للفصل 110من الدستور خاصة الفقرة الثانية ((.........يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون ،كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها .)) وبالتالي يتعين عدم إعتبارها .