mardi 26 février 2013

مقالة عزلة القضاء في مواجهة الغوغاء للأستاذ حكيم الوردي


عزلة القضاء في مواجهة الغوغاء
يبدو أن تصويت المغاربة على دستور 2011 الذي انتقل بالقضاء من ظلال المؤسسة إلى هيبة السلطة كان مجرد ممارسة شكلية أملتها سياقات اللحظة التاريخية التي أعقبت هبوب نسائم الربيع العربي على وطننا الحبيب. ذلك أنه بالرغم من الحمولة المتقدمة لبنود الوثيقة الدستورية فإن سلوك المخاطبين بنصوصها لازال مغرقا في التقليدانية، ويمتح من مرجعيات المجتمعات البدائية التي تسود فيها أهواء القبيلة، ونزوعات الشعبوية وما ينتج عنها من نزع الشرعية عن المؤسسات، والإمعان في تبخيس وظيفتها وتشويه سمعة أفرادها.
وينبغي الاعتراف أن تفشي الأمية بجميع مستوياتها، وتدني المستوى المعيشي، وغياب أي دور للأحزاب السياسية في التأطير، وطغيان السطحية والتشهير والدعاية المغرضة على خطاب وسائل الإعلام، كلها عوامل إلى جانب أخرى أسهمت في خلق وعي جمعي مغربي مشوه، طفولي، نفعي، انفعالي، وغير عقلاني. وعي منفصل عن الإحساس بالانتماء إلى أفق فكري أو مشروع مجتمعي للنهوض بأوضاع الوطن.
إن العمل على فهم آليات اشتغال منطق الانتماء القبلي يشكل أحد المداخل الأساسية لاستيعاب مسلسل التشويه والإضعاف المستمرين للقضاء. وسواء تعلق الأمر باحتجاج سكان قبيلة منطقة معينة أو قبيلة هيئة مهنية أو إعلامية على حكم قضائي أو سلوك فردي معزول فإن القاسم المشترك بينها هو تدخل جهات معلومة على الخط لترسيخ سوء الفهم الكبير بين المغاربة وقضائهم، وتعميق الصورة النمطية على القضاة كأشخاص فاسدين، مهوسين بحب السلطة وطغاة ظالمين. جهات تبتهل الفرصة لتصفية حساباتها الضيقة مع القضاء لأنها لسبب أو لآخر وجدت نفسها ذات ملف في مواجهة أحكامه.
ولفرط الحاقد الطافح بات وجه خصوم القضاء مكشوفا بلا مساحيق. وللأسف فالأمر يتعلق بلوبيات مبثوثة في مختلف الهيئات المهنية والسياسية، ومؤسسات المجتمع المدني والحقوقي ووسائل الإعلام، تهيمن عليها ذهنية قوامها العداء التاريخي والمجاني للقضاء، لا تتورع عن تصريف هذا العداء بمختلف الأساليب المشروعة وغير المشروعة من وقفات احتجاجية وروبورتاجات وأخبار إعلامية مفتقدة للحياد والموضوعية.
ومن مفارقات الزمن المغربي الرديء أن جميع أفراد المجتمع وهيئاته يحتكمون إلى القضاء في خصوماتهم إلا أنه قلما يلتزمون بالاحترام الواجب له كسلطة، كما أن الجميع ينادي بحتمية استقلاليته إلا أنه سرعان ما تستل الخناجر للطعن في قراراته. وفي المحصلة لا أحد مستعد لتحمل ضريبة قضاء مستقل. فالمغربي بطبيعته لا يهمه من المؤسسات إلا بقدر ما تجود عليه من منفعة عند احتياجه لخدماتها.
إن الأجواء المهيمنة على تنزيل الدستور في مقتضياته ذات الصلة بالسلطة القضائية لا تبشر بخير. فحمى السعار المجتمعي على القضاء، وتغذية الشعور العدواني اتجاه القضاة لن يسهم في بناء سلطة قضائية قوية، مهابة الجانب. وعلى الجميع أن يعلم بان إضعاف القضاء هو إضعاف لسلطة القانون، وتقويض لدعائم دولة الحق بسيادة القانون. كما أن استقالة من يعنيه الأمر عن القيام بدوره في حماية القضاة يمنح الانطباع بأن هناك إقرار بشرعية تغول المجتمع على القضاء، أو على الأقل يدفع إلى الاعتقاد بأن على القضاة مجابهة مصيرهم. وإذا كان الأمر كذلك فعلى القضاة أن يهبوا لانتزاع احترامهم كسلطة في ممارستهم المهنية وحياتهم الشخصية، وذلك بالتحلي بالنزاهة والاستقامة والالتزام بقيم المواطنة والاحترام التام للقانون، كما أن دور نادي القضاة في هذا المعركة أضحى دورا مفصليا، فعلى الأجهزة المسؤولة أن تبادر في أقرب وقت إلى رفع الأمر إلى من يجب، وأن تفتح قنوات التواصل الذكي مع وسائل الإعلام وهيئات المجتمعين السياسي والمدني وتخوض حملة تصحيحية للدفاع عن كرامة القاضي كمواطن عادي لا امتياز له إلا بقدر ما يمنحه القانون. القاضي المغربي الذي لا يمكنه أن يشتط أو يهين أو يظلم مواطنا مغربيا مهما كان موقعه الاجتماعي، وإلا فإنه غير جدير بتقلد أمانة القضاء.
بقيت الإشارة في الأخير إلا أنه في بحر الأسبوع المنصرم أرسل اتحاد نقابات القضاة بفرنسا رسائل إلى كل من حارس الأختام، ووزير الداخلية ونقيب المحامين احتجاجا على ما يتعرض له القضاة الفرنسيين من اهانات، كما فتح تحقيق مع العديد من الصحفيين في مصر لتجرؤهم بالحديث عن القضاة بما لا يليق بهم. فالحمد لله إذن أن الأمر لا يتعلق بحالة مغربية معزولة.
حكيم الوردي عضو نشيط بنادي قضاة المغرب 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire