mardi 13 août 2013

كلمات طيبة في حق رجل طيب الحاج رزقي منسق لجنة التضامن لنادي قضاة المغرب



وحي القلم 9
دعاء رزقي: اللهم ذوب في خدمة النادي عشقي
تحتاج الأفكار النبيلة وهي تجتاز مسارها الشاق للبروز من العدم إلى الوجود لرجال بقامات الجبال، يحرثون لبذرها الفيافي والشعاب، ويستسهلون في قطف ثمارها صنوف الصعاب وأهوال العذاب. فقد أنشد المتنبي ذات قصيدة: على قدر أهل العزم تأتي العزائم وعلى قدر أهل الكرم تأتي المكارم، وتعظم في عين الصغير صغارها، وتصغر في عين العظيم العظائم.
والحاج مصطفى رزقي واحد من هؤلاء، فهو يمثل بحق نموذجا متفردا للمؤمن الصادق الذي يقترن لديه القول بالفعل، ورمزا حيا من رموز البذل والعطاء، ومثالا حقيقيا للجود والسخاء. ورغم أن أغلب مجاييله قد انصرفوا عن معانقة الأفكار الكبرى إلى الاعتناء بتحصين أو تقوية مراكزهم مهنيا، وتحسين أو ترقية موقعهم اجتماعيا، إلا أنه آثر التبشير رفقة ياسين وصحبه بوعي قضائي جديد، وتشييد صرح تجمع مهني فريد.
وكالمجدوب طاف يجوب المحاكم، ويشحذ العزائم في وقت كان فكر النادي عقيدة سرية لا يجرؤ على اعتناقها أو الجهر بها سوى من اكتوى بلظى عشقها، وامتلك شجاعة البوح، وجسارة القول، فما بالك بمن غامر فخاطر وهاجر ثم حضر.
وإذا جاز لنا أن نؤرخ للنادي بذاكرة الرجال فإن الحاج رزقي أفضل من يضطلع بهذه المهمة، فقد كان في طليعة المؤسسين الذين أشرفوا ميدانيا على التحضير لولادة النادي، وحضر يوم 20 غشت المبارك، مثلما حضر يوم تأسست مكاتبه الجهوية بالدارالبيضاء، ومراكش، الجديدة، وسطات وخريبكة وأكادير ومراكش، ولأنه يقدر جسامة المسؤولية، وخطورة أمانة تمثيل القضاة الذين أوصلته أصواتهم إلى المجلس الوطني، فإنه لم يتغيب عن أية دورة من دوراته، عادية كانت أم استثنائية، ولم يتخلف عن أية محطة نضالية من محطاته، وقفة كانت أو زيارة، بل وحتى الندوات الثقافية واللقاءات العلمية التي نظمتها مكاتب البيضاء، آسفي خريبكة ومراكش كان جزءا أساسيا من مكوناتها. وحين أجمع أعضاء لجنة التضامن والشؤون الاجتماعية على اختياره منسقا لأشغالها حاز جدارة تمثيلها، مسافرا زاده الإيمان بالتضامن من تاونات إلى آسفي فالرباط، مهاتفا، مستفسرا متقصيا بدون ملل أو كلل.
ولأنه مناضل للقرب فقد أقنع أكثر من 17 قاضيا برئاسة ابتدائية المحمدية التي يعمل بها للانضمام إلى النادي وارتحل لتاونات ليزف البشارة إلى رئيس التنظيم الفتي حاملا إليه طلبات انخراطهم وواجبات اشتراكهم. وبتواضع الرجال أبى إلا أن يساهم بهمة في توزيع أعداد مهمة من مجلة المكتب الجهوي، مداوما على التواصل مع قضاة محاكم الدائرة الاستئنافية ...
حقيقة حينما أستحضر ما قدمه الحاج رزقي للنادي أستصغر حجمي والوم نفسي، ثم سرعان ما تخور قواي بعدما يعجزني السؤال : من أين لي بطاقة وديناميكية كتلك التي تحرك الحاج.
ولأنه لا يعرف كيف ينافق، فإن غيرته على النادي وتبنيه في بعض الأحيان لخطاب صاعق، ألب عليه الخصوم والأعداء، وبث الشك في قلوب الأصدقاء، فراحوا بحقد دفين وحسد مألوف غير هجين، يشحذون له السكاكين، ويلبسون لكل تعليق قناع، ويستعيرون لكل حقد هوية، ينفتون على هذه الصفحة لغوا أنقع من سم الثعابين. وحين توالت الطعنات ووصل الخبث المستتر وراء ستار الجبن إلى حد طعن الرجل في شرفه، تجرع مرارته وكفكف جراحه واستقال، عسى أن يسعف من يزعجه حضوره الطاغي ليستريح باستبداده خالي البال.
لست أنسى ما حييت حينما كنا بمقبرة الشهداء ذات يوم قائظ من السنة المنصرمة. نشيع جنازة المشمول برحمة الله الأستاذ الحاج الشعيبي نائب الوكيل العام بالدارالبيضاء، وكانت جنازة مهيبة حضرها حشد غفير من القضاة والمحامين والموظفين، وقادة أمنين من شرطة ودرك، مثلما حضرها وزير العدل ومستشاريه، والمدراء المركزيين بوزارة العدل، ورؤساء المناطق الأمنية ورؤساء أجهزة الاستعلامات وحماية التراب الوطني وغيرهم كثير، وقبل أن يسجى جثمان الفقيد شرع " الطلبة" في تلاوتهم المعهود لسورة ياسين لينبههم رزقي بلين القول إلى البدعة التي يجترحون، فقاطعه محام معروف بهيئة البيضاء مستنكرا عليه أن يعظ القوم في حضرة الكبار، فما كان من الحاج رزقي إلا أن انتفض في وجهه صارخا " من أنت حتى تمارس الوصاية علي" وأمام ذهول الجميع وتحت سياط أشعة شمس حارقة ، وبرهبة صمت القبور، حمد الحاج الله وأثتنى عليه، و بصوت جهوري اقشعرت له الأبدان راح يلقي خطبته العصماء مذكرا بالموت والحشر، بالجنة والنار، بالثواب والعقاب، وحين أيقن أن كلامه شد سامعيه الذين وجلوا وكأن على رؤوسهم الطير صرخ فيهم بالقول" أيها المسؤولون تذكروا أن مصيركم القبر" كررها ثلاث مرات، عم صمت رهيب، وأعتقد أغلبنا أن الحاج هالك لا محالة في زيف التقارير، لولا أن كلامه الصادق وخطابه الصاعق كان تذكيرا بكلام رب العالمين، فاجتاز باطمئنان اختبار الصدق ورسوخ اليقين.

آنذاك أدركت قوله تعالى في سورة يونس " أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٦٢﴾ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴿٦٣﴾ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿٦٤﴾
ولسبب ما حضرني قول سادتنا أرباب القلوب ما كان لله دام واتصل وما كان لغيره انقطع وانفصل، أقول هذا الكلام لا أزكي على الله أحدا، ولكنني وجدتني ملزما بقول شهادة في حق رجل مفرد بصيغة الجمع، أتصوره الآن يلهج بالدعاء ربي أدم صدقي و ذوب في حب النادي عشقي، فتحية للأستاذ المصطفى رزقي.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire