dimanche 31 mars 2013

تفصيل الخطاب العجيب في استقلال قضاة النيابة العامة عن الوزير


تفصيل الخطاب العجيب في استقلال  قضاة النيابة العامة عن الوزير

مقدمة :
 الامر رهين بكفالة وضمانة الوزير من المسائلة والمحاسبة ،فمازال بعض مناهضي استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية  بعد الدستور الجديد ،يوزعون صكوك الغفران المستخرجة من صخرة (عفا الله عما سلف) ،فهؤلاء السياسيين  ومن يدور في فلكهم يرهنون استقلالية قضاة النيابة العامة من حجر السلطة التنفيذية  ،بخوف و صعوبة واستحالة مسائلتها ومسؤوليتها ( توظيف الخطاب الإلهي الوارد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ) لتسيير توجهات بعض السياسيين ( الجنة والنعيم مقابل العذاب والعقاب )بل إن موجة الاسقاطات هي التي تحاول تبرير بعض السلوكيات الغير المنسجمة مع بنية السلطة بالمغرب ،وذلك عندما يتوجه مسؤولنا بالسؤال لبعض الدبلوماسيين الاجانب ،هل وزير العدل عندكم يعطي تعليماته لقضاة النيابة العامة ؟فيتلقى وزيرنا بانشراح شديد الجواب بالإيجاب ،متناسيا ان هؤلاء الاجانب قد وضعوا آليات متعددة لمراقبة عمل عضو الحكومة في العدل وان اي خطأ صادر من طرفه قد يزج بالحكومة وأعضائها للسقوط والمسائلة (مثلا عند خرق الدستور او توجيه تعليمات انتقائية ضيقة ) أو عندما يبررون الاقتطاعات للموظفين من اجورهم بكون امريكا وألمانيا تفعل ذلك ،الأجر مقابل العمل متناسيين ان ميزانية اضعف نقابة بتلك الدول تساوي ميزانية المغرب لسنة لمدة عشرات المرات اواكثر وهي عندما تقرر الاضراب للأيام تشعر المنتمين لها بكونها ستتكفل بتعويض ايام الاضراب ، وهذا الخطاب لايجب ان يستعمل في مجال تدبير الشؤون العامة للدولة ،وخاصة مع السلطة القضائية التي هي اساس الملك و العمران وهذا يذكرنا  بباقي العبارات التي كانت تستعمل منذ زمان ((تحمل مسؤوليتك ،هاذشي خطير وجد خطير،او ان الملف مازال مفتوح )، بل يجب وضع منهجية واضحة لاتبتغي الترهيب ولا ترغيب ،اما المسائلة فهي لامحالة ستصل من يدوس على مقدسات الدولة وأولها الدستور (الخروقات للدستور والنظام الاساسي لرجال القضاء والتشهير بالقضاة وسبهم وجعلهم مختلين عقليا ) ،إذا كنا ننطلق من مبدأ الاتهام بدل المعالجة والتصدي للمشكلات ،وهكذا نجد خطاب السياسيين السائدين هو التخويف والاتهام في عدة مجالات، منها اولا محاربة نادي قضاة المغرب وإقصائه في التحاور في شأن من شؤونه ورفض التحاور معه والاستجابة لمطالبه المشروعه ،وتحريك مساطر إنتقائية وكيدية ضد اعضائه ،مواجهته بتبخيس مواقفه وإستفزاز اعضائه في عدة تصريحات علنية تنم على اسلوب (الاجهزة السابقة )بالسب والشتم والتبخيس والتقزيم لمواقفه وخير مثال عند خروج نادي القضاة للشارع امام محكمة النقض ورفع شعارات منها (( لاللرشوة )) وما تعرض له من سب وشتم في بيانات رسمية مكتوبة ، رغم ان رفع النادي  لتلك الشعارت لم تكن إتهامية بل فقط تحسيسية ،وإعطاء التعليمات للمسؤولين الجهويين بتمزيق الاعلانات التي تحمل عبارة ((لاللرشوة )) ثم العودة أخيرا لتبني الحملة التحسيسية التي قادها نادي قضاة المغرب، ولكن بحدة أقل تنجسم مع المبدأ الفلسفي الذي فرضته التحالفات وهو((عفاالله عما سلف )) على وزن  ((إياكم والرشوة )) .
والدستور نص في الفصل122 على حق المواطن في التعويض عن الخطا القضائي ،فكيف سيتتم  حماية قضاة النيابة العامة من تعليمات خاطئة اعطاها لهم  عضو السلطة التنفيذية اضرت بمواطن ؟
الأساس الدستوري لاستقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية
وهذا ماتم الترويج له في احد البرامج الاعلامية إذ توجهت الآلة السياسية ومن يدور في فلكها من بعض المنتسبين للسلطة القضائية والذين يتمسكون بالسياسي الذي اضر بالقضاء لإبتغاء مصالح ضيقة تخص فئة معينة اكثر ما ترمي إلى تحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية .وهكذا تم  التمسك بالفصل الأول من الدستور الذي ينص ((نظام الحكم بالمغرب ...........وربط المسؤولية بالمحاسبة )) مع ان هذا يخص جميع من يتولى سدة الحكم بدون استثناء فليس هناك احد فوق القانون .
 وقد كرست أعمال النيابة العامة في الأيام الماضية ،وضعية منتقدة من المواطنين والمؤسسات والجمعيات ،بسبب لبس وعدم وضوح الرؤيا في معرفة محرك هذه الآلية ومن يوجهها ويعطي تعليمات خارجة عن القانون والشرعية ،مما ترتب عنه عدة إختلالات في الحريات والحقوق ،فكان من ثمرة النضالات الممتدة لعدة سنوات أن تتمخض عنها نصوص في الدستور الجديد تعطي تصورا لما يجب ان تكون عليه النيابة العامة كآلية فاعلة في السلطة القضائية لذا يفرض علينا الموضوع أن نقسمه إلى قسمين : بإعتماد اساسين مهمين أولهما هو الضمانات القانونية لتحصين العمل القضائي من اي عنصر اجنبي ،وثانيهما هو الممارسة الواقعية لتدبير الملفات من طرف عضو السلطة التنفيذية والآلة التحكمية التي بيده .
1ـ الضمانات القانونية لاستقلال السلطة القضائية .
يسير وزير العدل مؤقتا (السلطة القضائية ) في هذه المرحلة الانتقالية قبل تنصيب السلطة القضائية من طرف الملك الفصل 115 من الدستور الذي غيب (وزير العدل) من تشكيلته ،وايضاالفصل 178منه  ونصوص تنظيمية قديمة اصبحت بعض مقتضياتهاغيردستورية(( 55و56و57من النظام الاساسي لرجال القضاء))وبالتالي لايمكن لوزير العدل ان يقوم بتنقيل قاضي النيابة العامة او توقيفه لكونه ليس اصيلا في إتخاذمثل هذا القرار((اقصي من تشكيلة المجلس الاعلى للسلطة القضائية ))  الذي اصبح خاضعا للطعن بمقتضى الدستور الحالي الذي غير صفة الرئيس الأول لمحكمة النقض من نائب الرئيس للمجلس الاعلى (كمحكمة تأديبية للقضاة) ، الى رئيس منتدب يتحمل تبعات قراراته الباتة في الوضعية الفردية للقضاة  ، وهكذا يتعين التمييز بين سلطتين لوزير العدل كما سبق ذكره ،الأولى تتعلق بسلطة الإشراف والتوجيه ((وهذه يمارسها بالمذاكرة مع اعلى رئيس للنيابة العامة حاليا مدير الشؤون الجنائية وليس الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض)) وسلطته لاتخص كل قاضي النيابة العامة بشخصة ولاحتى قضية بعينها (التوجه العام فقط) اما المراقبة والتسيير فهي لرؤساء قضاة النيابة العامة الاعليين ، وهي تختلف عن الثانية وهي سلطة التأذيب وهذه الاخيرة اصبحت معطلة بالنسبة للوزير منذ دخول الدستور حيز التنفيذ لأنه جاء بحقوق فورية يطبقها القضاة (( مثل حرية التعبيروتاسيس جمعيات وحق الطعن في القرارات التي تمس وضعيتهم ))وبالتالي لايمكن المزج بين السلطتين المذكورتين ،وممارسة صلاحياته في التأديب بمقتضى قانون تنظيمي 467/174  بتاريخ 11نونبر1974لايساير الحقوق الجديدة التي بدأ يتمتع بها القضاة وواجبات مثل الدفاع عن استقلاليتهم وواجب التحفظ ،ويتعين ان يصدر بشأنها قانون تنظيمي يحدد مداها وحدودها في انسجام مع الهيئة الدستورية التي ستشكل وتنظر في الخروقات الممكن حصولها من القضاة عند ممارسة الحقوق الجديدة التي نص عليها الدستور الجديد .وهكذا يسعى السياسيون لتمطيط فترة الهيمنة  قصد كسب اكثر المغانم ،(يصارعون الوقت ) فلا يمكن لعضو السلطة التنفيذية ان ينكر أنه يهيمن على مسار القضاة من البداية إلى حين التقاعد  وبعده .كما ان نقصان الضمانات الواردة بالنظام الاساسي لرجال السلطة القضائية تجعل هذا التأثير واضحا وتحصل غايته بدون تدخل مباشرة من الجهة الحكومية المسؤولة مؤقتا على العدالة .
 إستقلال النيابة العامة يؤسسه القضاة الممارسون للقضاء الحكم وقضاء النيابة العامة ليس فقط إستقلال النيابة العامة عن قضاة الحكم بل إستقلال كل قاضي عن زميله حين البناء لوجهة نظره في اية قضية بل إننا نطالب بان يستقل القاضي كيفما كان موقعه على هوى نفسه أولا ،الم يقل الله تعالى في كتابة الحكيم لنبيه داوود عليه السلام  ((ياداوود إنا جعلناك خليفة في الارض........... فلا تتبع الهوى فيضلك عن سبيله ...))وهذا لايعني ان يستقل قاضي النيابة العامة عن زملائه القضاة وكذا رؤساءه ويبقى تابعا للسلطة التنفيذية في شخص وزير العدل ،واالدستور حاليا نص رغم إستقلالية قضاة النيابة العامةعن اية سلطة ،فإن إلزامهم بتطبيق التعليمات القانونيةالمكتوبة  لرؤسائهم الاعليين لايجعلهم غير مستقليين لأنه يبقى لهم حق رفض تنفيذ تلك التعليمات إذا كانت غير قانونية وستؤدي لضرر بالمواطن الذي اصبح له دستوريا الحق في المطالبة بالتعويض عن الخطأ القضائي .
يحاول بعض المنظرين الغير الممارسين للعمل القضائي والذين تخفى عنه تقنيات العمل بالنيابة العامة ان يعطوا لمطلب إستقلال النيابة العامة تصويرا على انه مطلب سطحي وغير عميق،  وان الدستور قصد بعبارة الاستقلالية قضاة الحكم وليس قضاة النيابة العامة، وهؤلاء لايمكن القول بإستقلاليتهم لأنهم يضلوا خاضعين للسلطة التابعين لها وتنفيذ تعليماتها القانونية الكتابية، وهذا لاينسجم مع معنى الاستقلالية ،لكن يرد عليهم بان إلزام الدستور لهذه الفئة من القضاة بتطبيق التعليمات القانونية الكتابية لاينفي حقهم في عدم التنفيذ متى تبين لهم انها غير مطابقة للقانون وستؤدي إلى ضررللمواطن وإلى مسؤوليتهم الشخصية عن القرار القضائي، وهنا الامر لايتعلق بمسؤولية مرفقية تضمنها الدولة ، إذا تبث ان القراراتخذ بناء على هوى نفسي وإنتقائي  لغرض ذاتي فئوي ضيق ،والمصطلحات  المذكور سلفا ممن يناهضون استقلال النيابة العامة  كلها إستفزازية تحيد عن المناقشات القانونية إلى خطابات سياسيوية، فعلا ان مطالب بعض الجمعيات والقضاة بإستقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية، هوناتج عن وضعية تم تكريسها منذ الاستقلال وهي عدم تمكن قضاة النيابة العامة  من ضبط عمل الشرطة القضائية، لأنهم يظنون انهم هم من يعطي التعليمات في حين أنهم  هم من يتلقى التعليمات كما يحررها ضباط الشرطة القضائية ، وقانون المسطرة الجنائية يقوى عمل الشرطة القضائية على النيابة العامة ،وحتى على قضاة الحكم عندما يعطي لمحاضرها في الجنح قوة تبوثية تغل يد القضاء والدفاع على إثبات عكسها إلا بالطعن بالتزوير ،وهذا المقتضى اصبح حاليا غير دستوري تبعا للفصل 128 من الدستور الذي جعل مراقبة عمل ضباط الشرطة القضائية مسألة دستورية وهذا يقتضي تنزيلا ديموقراطيا تواكبه عدة تعديلات في هيكلة مصلحة الشرطة القضائية نعطي منها بعض الامثلة ، أولا يجب إنشاء إدارة عامة للشرطة القضائية تابعة للسلطة القضائية من التعيين إلى التقاعد وذلك لتفادي إزدواجية التعليمات من جهات غير تابعة لقضاة النيابة العامة بل للسلطة التنفيذية التي تشرف كذلك على مسار العاملين في سلك الادارة العامة للأمن الوطني ويرجحون تعليمات رؤسائهم الاعليين عن رؤسائهم القضائيين الذين يؤطرون قانونيا وحقوقيا اعمالهم المادية التي يباشرونها ،والتي قد تمس بحريات وحقوق المواطنين  ،ثانيا جعل مقارات لنواب وكيل الملك وقضاة التحقيق في كل المخافر التي يتم فيها وضع المواطن تحت الحراسة النظرية حتى تتم  تفعيل دسترة مراقبة عمل الشرطة القضائية .وهذا الأمر إن كان يقتضي إضافة بعض التعويضات عن العمل خارج الاوقات المحددة قانونا فإن تغطية جميع المخافر إمكانية متاحة لكون القضاة يغطون كافة ربوع المملكة خاصة في الاماكن الموجودة فيها مخافر الاعتقال، كما ان يتعين التنصيص على بطلان اي محضر (ولو تعلق بالاستماع إلى هوية شخص بدون حضور محامي )وغيرذلك من التعديلات لمقتضيات المسطرة الجنائية ، وبالتالي فلايمكن (ضحد هذه الفكرة )بكون تجربات عالمية لم تنجح دون ذكر إسمها بالذات وإثباتها بالحجة .إذن هذه العملية ستحبط المعتقلات السرية فإن تم إكتشاف إحداها فستتحمل الجهة التي تعبث بحريات المواطنين مسوؤولياتها حسبما ينص عليه القانون والمواثيق الدولية .  كما انه إنسجاما مع مقتضيات الدستور الذي يجب ان يؤخذ كوحدة فقد انتقلنا من وضعية (ملائمة المتابعة ) التي كانت تعطي لقضاة النيابة العامة سلطة تقديرية واسعة في الحفظ او المتابعة ،انتقلنا حاليا بواسطة الدستورالجديد إلى مايعرف ((بقانونية المتابعة )) فلاتملك  النيابة العامة ان تحفظ مسطرة  انجزت،وهي تتوفر على كافة مقومتها لتجرى بشأنها محاكمة عادلة وإلا تمت مسائلتها من المتضرر من خطأ قضائي كما يخوله له الدستور  .وهذه نظرة شمولية تأخذ مقتضيات الدستور كبنية واحدة منسجمة بين بعضها وليست في الامر اية اتجاهات فئوية ضيقة، فالقضاة جميعهم يسعون لتطبيق القانون لا ليرضون اي احد سوى الله تعالى فهم ليسوا صناع حلوى يتقبلون التهليل ممن اعجبهم مداقها ويدفعون الغضب من اكتوى بعدم لذتها  .
إن سيادة الدولة يمثلها القضاء بشكل واقعي في التراب الذي يمارس فيه القضاء مهامه وينشر العدل بين مرتفقيه، يعني انه هو من يجسد السيادة نيابة عن باقي السلط ويخلق العدل في ذهن المواطن قبل كل شيء، وان هناك عدة مغالطات سياسيوية في تفسير عبارة السياسة الجنائية او مايسمى بالسياسة القضائية وهنا يجب الوقوف على بعض العبارات (( تنفيذ السياسة )) و((تطبيق القانون )) و((تعاون السلط )) وكل هذه العبارات لاتمس بمبدا فك الارتباط بوزارة العدل وبالسلطة التنفيذية الذي يطالب به القضاة الشرفاء الذين سئموا من التدخل في عملهم .وإفساد السياسي للقضاء وان القاضي هو الذي يصلح السياسي وليس العكس .
2. الممارسة الواقعية لمسائلة قضاة النيابة العامة
إختلاف مسائلة قضاة النيابة العامة ومسائلة الحكومة بشأن تسيير مرفق العدالة ،الأصل ان قضاءالنيابة العامة لايمكن ان يسأل مباشرة من الشعب(المثال السيء الذكر لقضية قاضي التحقيق الفرنسي ديثرو) بل من المرتفقين الذين تضرروا من قرارته وطبيعة هذه المسائلة هي محددة بنص القانون ولايمكن تجاوزها ،وإلاأعتبر ذلك تهديدا ومس بإستقلالية قضاة النيابة العامة .ونجمل وسائل المراقبة الموضوعة بيد المواطن المتضرر من خدمات العدالة أولا حق تقديم الشكاوى امام رؤساء قاضي النيابةالعامة إلى اعلى المراتب بما فيها الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض فهو ليس فوق القانون كما انه ليس معصوم من الخطأ والتسبب في الضرر، كما يمكن تقديم دعاوى تجاوز القضاة لسلطاتهم امام محكمة النقض وكذا رقابة الطعون المقررقانون لكل مواطن((الطعن بالاستئناف والتعرض  والنقض واعادة النظر والمراجعة)) و رقابة التجريح (( النيابة العامة في القضايا التي تكون فيها طرفا رئيسيا لاتجرح ))والتشكك المشروع في القضاة والهيئات، الاحالة على محاكم اخرى ،منع القضاة من رفع الدعوى بمقارات محاكم الاستئناف التي يعملون بها بل عليهم طلب الاذن من الرئيس الأول لمحكمة النقض بتعيين محكمة تبت في طلباتهم خارج الدائرة التي يعملون بها تحت طائلة بطلان الاحكام ، ثم  رقابة الادارة المركزية المكلفة بالتفتيش إلى جانب التشكي امام مؤسسات اخرى نص عليها القانون .
في حين ان مسائلة الحكومة على تنفيذ السياسة القضائية (السياسة الجنائية ) تكون ضمن المسائلة الدستورية المنصوص عليها بالدستور من طرف  السلطة التشريعية وتكون كذلك مسؤولة امام الملك .بل لايمكن للمواطن ان يجرح في احد اعضاء السلطة التنفيذية ويطلب منه عدم البت في ترخيص إداري معين يطلبه من الادارة لكونه له نزاع شخصي مع ذلك العون الاداري الذي سيبت له في طلبه كما ان القضاء يتصدى لمعالجة المشاكل التي تواجه المنتسبين له علنا وبمحاكمات عمومية علنية ، في حين ان الادارة إذا تبين لها عيب في إحدى القرارالادارية فهي تسحبه سريا دون ان يعلم به اي مواطن، وإن تم إعلانه فلايمكن لها ان تتصدى له وتسحبه لكونه سيحدث أثر قانونيا على مراكز الاطراف، والسلطة الوحيدة التي لها إمكانية التصدي له وإلغائه هي السلطة القضائية، وكذلك الشأن بالنسبة للقوانين التي تصدر عن السلطة التشريعية فبعد نشرها لاتملك التراجع عنها وان المحكمة الدستورية(( بواسطة طعون المتضررين بمخالفة القانون للدستور )) هي التي لها وحدها حق التصدي لهذا القانون والتصريح بمخالفته للدستور .
ونستغرب لبعض التوجهات الرسمية في تصريحات للإعلام بالتبرء من بعض الملفات المحالة على العدالة والمتعلقة بسوء تدبير المال العام  بدعوى عدم مساهمة فيها ، وكانما الامر يتعلق  بإرتكاب جرم ،مما ينم على تخوف من الاقتراب لملفات معينة وعدم القدرة على مواجهة الفساد ،كما ان تفسيرالتدخل في القضاء بعبارة أنه يتعين إثبات ذلك لمن إدعاه واستدلال بالآية الكريمة ((هاتوا برهانكم إن كنتم صادقيين )) صدق الله العظيم، ينم على مغالطة في توضيح  الأسس التي ينطلق منها القضاة ،للقول بهيمنة وتدخل السلطة التنفيذية  في خلق القرار القضائي.
ولابد للتطرق هنا  لمسألة المسائلة ومسؤولية النيابة العامة ،فعلا ان القضاة بالمغرب ليسوا منتخبين وإنما هم معيينون بعد توافر شروط التعيين (إجتياز مبارة وقضاء فترة التدريب وغيرها ) في حين ان السلطةالتنفيذية(الحكومة ) هي منتخبة من الشعب وتسأل امامه بواسطة السلطة التشريعية التي هي الممثل المباشر للشعب وان الحكومة هي خارجة من صلبه، وبالتالي تسأل امامه تنفيذا لإرادة الشعب في المسائلة، وهناك محاسبة ثانية وهي صناديق الاقتراع فإذا فشلت الحكومة في سياستها يمكن للشعب ان يعاقبها في صناديق الاقتراع، ويمكن لجمعيات القضاة ان تعقد في كل فترة لإستحققات الانتخابية ندوات ومجالس تدعوا فيها المواطن للتصويت على هذا الحزب او عدم التصويت عليه عقابا له على التجاوزات التي وقف عليها القضاء في الملفات التي كانت معروضة عليه فهي عنصر من عناصر الدعاية ايضا وبإعتبارها تمثل صفوة من ابناء الشعب يهمهم تدبير الشأن العام من طرف الحكومة ،من صحة وتعليم وطرق واقتصاد وقضاء وغيرها من الشؤون المجتمعية .
أما بالنسبة للوقوف على المصطلحات فإنه يتعين التطرق اولا لبعض الفصول كأرضية للنقاش وهي الفصل 48 من قانون المسطرة الجنائية القديمة و الفصل 51 من قانون المسطرة الجنائية الحديثة المطابق للفصل المذكور.
فالفصل 48 القديم ينص ((يمكن لوزير العدل أن يبلغ إلى رئيس النيابة العامة مايصل إلى علمه من مخالفات للقانون الجنائي ويأمره بأن يتابع أو يكلف من يتابع مرتكبيها أو يأمره بأن يرفع كتابة إلى المحكمة المختصة مايراه الوزير ملائما من الالتماسات .))
والفصل 51 من قانون المسطرة الجديدة والذي تضمن لأول مرة إقحامات غير ضروريةلكونها مصطلحات تخص الهيكلة لمؤسسات عمومية تشرف عليها الحكومة (وزارة العدل ) ولايمكن التنصيص عليها  في قانون عادي كالمسطرة الجنائية وجاء بهذه العبارة (( يشرف وزير العدل على تنفيذ السياسة الجنائية ،ويبلغها إلى الوكلاء العاميين للملك الذين يسهرون على تطبيقها .
وله ان يبلغ إلى الوكيل العام للملك مايصل إلى علمه من مخالفات للقانون الجنائي ، وأن يأمره كتابة بمتابعة مرتكبيها أو يكلف من يقوم بذلك ،أو يرفع إلى المحكمة المختصة مايراه الوزير ملائما من ملتمسات كتابية .))
ويتعين الوقوف على عبارة تنفيذ السياسة الجنائية ،والتي يعتبر بعضهم انها مسألة غامضة تدخل في خانة تدبير الغموض مع ان عبارة التدبير تعني دبر العمل يدبره اي قدر عاقبته وتوخى منه نتيجة معينة وبنسبة معينة ،وهكذا فالغموض لانتيجة تتوخى منه ومن تحليله لأنه والعدم سواء ،وسنحاول ان نتطاول على اصحاب السياسة لنحدد عملهم وكيف تدبر الأمور ،فالحكومة المتولية لتدبير الشان العام تكون قد اسسته على منهاج إنتخابي واضح بموجبه  تم إستمالة الناخبين للتصويت عليها وحصولها على الاغلبية ،ولنفترض ان البرنامج يمثل في مسائلة الفاسدين وتشغيل العاطلين وتخفيض نسبة الجرائم ومحاربة الرشوة وإستقلال السلطة القضائية ومحاربة الجريمة والتخفيض من اكتضاض السجناء ،فهذه الافكار النظرية يسوغها مستشاروها القانونين في الادارة وفي البرلمان ويضعونها في قالب قانوني يتم الدفاع عنه للحصول على الاغلبية للتصويت عليه والمصادقة حتى يطبقه القضاة ،وهكذا سيصدر قانون بإنشاء هيئة لمسائلة الفاسدين الاداريين والماليين ،وقانون يشجع المستتمرين لتشغيل العاطلين مع حوافز التخفيض من الضرائب والتمتيع ببعض الامتيازات عند تشغيل نسبة معينة ، كما سيصدر قانون لتحسيس الجميع بخطور الرشوة وتدعيم ذلك ببرامج اعلامية ثم إصدار قوانين زجرية لمعاقبة من يتجار بوظيفته وتدعيم الجمعيات المهنية التي تسعى لتحقيق استقلال السلطة القضائية على باقي السلطة واصدار قوانين تعاقب كل من مس باستقلالها ،ومحاربة الجريمة بإصدار قوانين تعالجها من المهد داخل الاسرة وداخل الحي والمدرسة ،وهكذا تتدخل السلطة التنفيذية في تنفيذ سياستها ولاتتدخل في عمل السلطة القضائية  وصناعة القرار لأنها ليست مؤهلة لتطبيق القانون .
وننتقل لتحليل الفصلين المذكورين سابقا ، إذ لابد من الاشارة ان الفقرة الاولى من المادة 51 لم تكن واردة في قانون المسطرة الجنائية  القديم الفصل 48 ،مما خلق خلطا في ذهن الحقوقيين جعلت من مؤسسة وزير العدل وكذا الادارة المركزية وسيلة شرعية للتدخل في صناعة قرارات قضاة  النيابات العامة بالمملكة المغربية بحجة تنفيذ السياسة الجنائية وذلك راجع للسياق التاريخي الذي اقحمت فيه هذه العبارة ،والذي كان له تأثير قوي على تدخل السلطة التنفيذية في عمل السلطة القضائية بذريعة مواجهة موجة ((الإرهاب)) الذي تم المصادقة على قانونه في مرحلة كانت مشحونة بالتدخل لآليات حماية مؤسسات الدولة عندما تكون مهددة من طرف عدوان خارجي، فأصبحت فلسفة قانون المسطرة الجنائية تطغى عليها فكرة التعليمات والانضباط الذي نلمسه في المجال الامني والعسكري  ،وخير دليل ايضا هو مقتضيات المادة 46و48 من قانون المسطرة الجنائية الجديد ،فلزيادة التركيز وضبط عمل قضاة النيابة العامة نصت تلك الفصول على ان وكيل الملك او الوكيل العام للملك إذ حدث له مانع عين النائب الذي يخلفه وهذا مس صريح بإستقلالية قضاة النيابة العامة في حين ان المسطرة الجنائية  القديمة كانت تعطي ضمانات كبيرة لإستقلالية قضاة النيابة العامة حين نصت (المسطرة الجنائية القديمة)  في حالة حدوث مانع لرؤساء النيابة العام ينوب عنهم أقدم قضاة النيابة العامة العاملين في المحاكم التي ينسبون لها ،وعدلت المادة 39ماكان منصوص عليه بالمسطرة الجنائية القديمة الفصل 37 كلمة (إشراف ) حولت (يمارس سلطته ) وهذه الاخيرة تزيد في ضبط قضاة النيابة العامة وجعلهم غير فاعليين يتخذون المبادرة تلقائيا بل لابد من الرجوع للرئيس في كل شادة وفادة وهذا لاينسجم مع المسؤولية الشخصية على القرارات .
ولو تمشاينا مع هذا التوجه فتنفيذ السياسة الجنائية لاتعطي للوزير التدخل في صناعة القرارت بل فقط تنحصر صلاحياته في التبليغ لاالتقرير (( تبليغ السياسة الجنائية ـوتبليغ مايصل إلى علمه )) مع أن تلبيغ السياسة التي ترمي لها الحكومة تتم عن طريق نشر القوانين التي تقدمت بها إلى البرلمان وصادق عليها بالجريدة الرسمية لأن القضاة ملزمون بتطبيق القانون لاالسياسة .
وهكذا جاء الدستور الجديد ليوضح مهمة القضاة فتم الاشارة إلى عبارة تطبيق في كل الفصول التي تهم عمل القضاة خاصة الفصل 110 من الدستور ،فما معنى تنفيذ السياسة الجنائية (المصطلح الغريب الذي اضيف للمسطرة الجنائية لخلق اللبس وفتح المجال لوزير العدل بالتدخل في عمل النيابة العامة )؟ ثم مامعنى تطبيق القانون من طرف النيابة العامة ؟
الوقع العملي ان وزير العدل لايمكنه ان يطالب الهيئات القضائية بالمملكة مباشرة بواسطة دعوى للمطالبة باستصدار حكم أو قرار بل حتى الطعن لفائدة القانون المنصوص عليه بالمسطرة المدنية الفصل382و384و385  والمسطرة الجنائية المواد 558ومابعدها لايقدم وزير العدل طلبه إلا  بواسطة الوكيل العام للملك  لدى محكمة النقض ، وذلك لسبب بسيط لأنه ليس قاضيا بل عضو السلطة التنفيذية ملزم بالتنفيذ فقط، والقضاة ملزمون بتطبيق القانون، وهذا هو الفرق الجوهري الغير المرئي في الاشكالية ،والذي يستغله البعض لمغالطة الحقوقيين المهتمين بالميدان وبالأحرى المواطن العادي  فوزير العدل لايمكنه ان يتدخل في صناعة القرار بداية ويؤثر على القضاة بسلوك إتجاه معين بل إنه ينفذ ويأتي دوره بعد صدور القرار .
لكن عمليا وللنقصان والالتفاف على تلك الضمانات الهزيلة المنصوص عليها بالنظام الاساسي لرجال القضاء التي كانت تنص عليها القوانين التنظيمية السابقة(إنعدام اية ضمانة  للمناصب العليا في السلطة القضائية وبالأحرى للمناصب المحدثة ) ،بل إن واقع خرق القوانين كيفما كانت درجتها لايواكبها المبدأ الدستوري بسيادة القانون ومسائلة من يخرق القوانين سواء الدستورية او القوانين العادية مما يشجع على المزيد من الخرق حتى في ظل الدستور الجديد ،و يساعد على هيمنة مؤسسة الوزير على قرارات المحاكم ولو بدون تدخل مباشر منه ،فالذي يملك حق التعيين والترقي يملك حق التلويح بالنقل التعسفي و بالعزل والإحالة على التقاعد ووضع حد للتمديد والدحرجة الى درجة ادنى ،وهذه كلها امور تمس مسار القضاة وهي من ناحية ذهب المعزلمن يخضع ويداهن ويستجيب ،ومن ناحية اخرى هي سيف المذل مسلط على القضاة (من يساكش ويناقش ويعارض ويرفض )اي الذين يحاولون التفوه بالمطالبة بالاستقلال ،وبالتالي يكون واقع هذه القوانين هو الذي يحكم توجهات القرارت ولو بدون تدخل مباشر من مصالح مؤسسة الوزير او بذاته .
وخير دليل على عدة قرارات صدرت لفائدة المؤسسات العمومية واشخاصها رغم التعسف البين والواضح ورغم عزوفهم حتى على تبيان موقفهم من الدعوى الموجهة ضدهم ،ومع ذلك عجز القضاء على إصدار قرارات تسجل لتاريخ القضاء المغربي، وهذا دليل على هيمنة الجماعات الضاغطة على المسار المهني للقضاة وسلب إستقلاليتهم وهناك عدة امثلة ننأى عن ذكرها حتى لانقلب المواجع ولانقع في محظور واجب التحفظ ،ومادام ان الاحكام والقرارات هي عنوان الحقيقة ولو كانت جائرة إلى ان تلغى  .

تم بحول الله وقوته يوم الجمعة 3جمادى الأولى 1434هجرية الموافق ل 15مارس 2013من انجاز عبدربه : محمد عنبر رئيس غرفة بمحكمة النقض ونائب رئيس نادي قضاة المغرب .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire